قرطاج كمان وكمان بقلم: حكيم مرزوقي

  • 10/30/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ما الذي جعل البساط الأحمر في مهرجانات العالم لا يعرف الأقدام العربيّة إلاّ فيما ندر؟ وما الذي جعل الأوسكارات لا تلامس الأيادي العربيّة؟ العربحكيم مرزوقي [نُشرفي2016/10/30، العدد: 10440، ص(24)] قرطاج التي رثاها أحدهم بقوله "قبر موحش لا جثّة فيه"، ورشّها الرومان بالملح بعد حرقها، إمعانا في عقرها.. تحتفل هذه الأيام بمرور نصف قرن على تأسيس مهرجانها السينمائي. اكتشف الإنسان النار فأحرقته واخترع السيارات فدهسته والهواتف فأبعدته والأسلحة فقتلته والخرائط فابتلعته، لكنّه اخترع السينما فخلّدته. ما زلت أحفظ تلك الأحجية الفرنسيّة القديمة التي تسأل: من هو الكائن الذي ولد أبكم ثمّ نطق، قصيرا ثمّ استطال، سريعا ثمّ اتّزن..؟ حجم السحر والإبهار والإدهاش لم يفارق يوما هذا الفن الذي صنّف سابعا. هل هو مجرّد ترتيب زمنيّ وتزامني، أم أنّ للرقم (سبعة) دلالة خاصّة في كلّ اللغات والثقافات والديانات؟ هل هي مجرّد صدفة أن يكون (لوميير/الضوء أو النور) كنية للأخوين الذين ابتدعا وطوّرا تلك الآلة العجيبة؟ المسرحيون كانوا يدّعون الأبوّة والأسبقيّة في فن التمثيل وطقوس التطهير، ولم يكلّفوا أنفسهم النزول إلى سفوح جبل الأولمب، أصبحوا الآن يستأنسون للمواد الفيلميّة في أعمالهم المسرحيّة، وكأنّ الآباء عادوا ليمشّطوا ما تبقّى من شعور رؤوسهم على تسريحة السينما. ما الذي جعل الأنفاس تحبس والقلوب تهفو حين تنطفئ الأضواء في الصّالة المخمليّة الحمراء، كي تدور تلك “البكرة الغريبة” عكس دوران الأرض فتنضح حياة وحبّا وأصواتا ودموعا تكاد تترك ملحها على ذلك المنديل الأبيض الكبير الذي يسمّونه الشاشة. من منّا لا يتذكّر قصيدة سينمائيّة اسمها “سينما براديسّو”، وأسطورة تعتمر قبّعة وتمشي بخطى سريعة وحذاء مفلطح على إيقاع موسيقى مبهجة، اسمها شارلي شابلن. كيف لعشّاق السينما أن ينسوا وسامة غاري كوبر، ورشاقة ستيف ماكوين، وحضور كورك دو غلاس، وسحر مارلون برندو، وجمالا وفتنة تسري كالوباء، من مارلين ومادلين وريتا وسارة وكاترين.. هكذا ـومن شدّة قربهنّ- نذكرهنّ دون ألقاب، وكأنّنا نلتقي بهنّ كل صباح في المقهى. لقد سمّى الناس أولادهم وتسمّوا بأسماء نجوم السينما، وامتهنوا أعمالا أوجدتها السينما وتحدّثوا لغة لم توجد إلاّ في السينما، وأحبّوا حبّا لم يوجد إلاّ في السينما، بل ومارسوا عنفا لم يوجد إلاّ في السينما. السينما فنّ يجمع ويزاوج بين العتمة والضوء، ويجعل المقاعد الخلفيّة أكثر وجاهة من المقاعد الأماميّة. اشتمّت بلاد عربيّة كثيرة عبق هذا الفن منذ نشأته تقريبا، ووثّقت آلة التصوير الحروب والمجازر والانتصارات والانتكاسات بحسب العين التي تختفي خلفها، لكنّ تلك الآلة ظلّت تلبس حجابا أو برقعا وتخفي أكثر ممّا تظهر. ما الذي جعل البساط الأحمر في مهرجانات العالم لا يعرف الأقدام العربيّة إلاّ فيما ندر؟ وما الذي جعل الأوسكارات لا تلامس الأيادي العربيّة؟ وما الذي جعل لغة شادي عبدالسلام ويوسف شاهين ونوري بوزيد وإبراهيم شدّاد ورندة شهّال والأخضر حامينا، تغيب عن شاشات العالم؟ ولا تطلّ برأسها إلاّ بحياء كمعيلة منزلية في صورة عائليّة؟ حكيم مرزوقي :: مقالات أخرى لـ حكيم مرزوقي قرطاج كمان وكمان, 2016/10/30 هل أنعش الكمبيوتر الخط العربي أم حوله إلى جثة مشوهة, 2016/10/25 مدينة بلا مجانين مدينة بلا أسئلة , 2016/10/23 الكتاب الورقي أم الإلكتروني.. جدل افتراضي بين قراء لا يقرأون , 2016/10/18 مبروك عزيزي بوب , 2016/10/16 أرشيف الكاتب

مشاركة :