فنان اليوم لا يصل إلى صنيعه الفني بمفرده، هناك آلية جماعية تتيح له وتسهل له عملية الوصول تلك، بما يجعله أشبه بالوسيط بين العمل الفني والمجتمع.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/09/04، العدد: 10741، ص(16)] أعترف أنني لست مؤهلا كل الوقت لفهم المقولات الفنية التي يتم تداولها اليوم في الغرب، فأنا ابن واقع ثقافي مختلف، وما لا يمكن انكاره أن ذلك الواقع ينتمي إلى حقبة ثقافية طوى الغرب صفحتها ولم يعد معنيا بالالتفات إليها إلاّ من باب الذكرى. لقد تربينا على مفهوم الطابع الفردي للنتاج الفني، فالفنان ينتج لوحاته ومنحوتاته وحيدا في عزلته، فكان محترف كل فنان بمثابة معبد تُمارس فيه طقوس سرية هي أشبه بالألغاز بالنسبة للآخرين. لقد أطاحت التحولات التي شهدها الفن منذ عقود ونتج عنها تكريس الفنون المعاصرة ثقافيا بذلك المفهوم، فلم يعد النتاج الفني وليد عزلة بل صار منتوجا جماعيا لا يذيله الفنان بتوقيعه، بالرغم من أنه يجلب له الشهرة والمال والاستقبال في أرقى مستويات المجتمع. فنان اليوم لا يصل إلى صنيعه الفني بمفرده، هناك آلية جماعية تتيح له وتسهل له عملية الوصول تلك، بما يجعله أشبه بالوسيط بين العمل الفني والمجتمع. وهنا لا بد من تذكر مفهوم الفن الاجتماعي الذي طرحه في ستينات القرن الماضي الفنان الألماني جوزيف بويز الذي تدين له الفنون المعاصرة بكل فتوحاتها. كل هذا لا يمكن فهمه إلاّ من خلال معايشته أما التعرف عليه عن طريق القراءة أو النظر إليه عن بعد، فهو لا يقدم شيئا ينفع، هناك شيء يظل عصيا على الفهم، هو في حقيقته عصب العملية الفنية كلها إذا لم يكن جوهرها. عدم معرفة ذلك الشيء هو ما يقف بيننا وبين فهم ما تنطوي عليه ظاهرة الفنون المعاصرة من أسرار، فما نراه لا يمثل إلاّ الجزء الصغير من الظاهرة، أما الجزء الأكبر فإنه يمتد بجذوره إلى طرق وأساليب متشعبة في التفكير لا نقوى على تفكيكها وإعادة تركيبها بما يتناسب مع وعينا. لذلك أشعر بالأسى كلما رأيت رساما أو نحاتا عربيا يتخلى عن الرسم والنحت لصالح فنون أعتقد أن علينا أن نتواضع قليلا أمامها، فهي وليدة تفاعلات اجتماعية لم نتعرف عليها بعد. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :