لأن هناك مَن يؤمن أن المال يصنع المعجزات، فإن حجم الإنفاق في العالم العربي على ما يسمى بـ”الثقافة”، هو أكبر من أمثاله في كل يقاع العالم.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/09/18، العدد: 10755، ص(16)] لا رسم ولا نحت ولا موسيقى ولا غناء ولا سينما ولا مسرح، بالرغم من أن هناك رسامين ونحاتين وموسيقيين ومطربين وسينمائيين ومسرحيين، هل هناك تناقض؟ في عالمنا العربي يمكن أن تتعايش التناقضات بطريقة مدهشة، يمكنك مثلا أن تكون رساما من غير أن تجيد فن الرسم، مثلما لدينا مغنيات لا يمتلكن أصواتا، ولدينا موسيقيون لا يجيدون كتابة النوتة الموسيقية، ولدينا نحاتون، ينجز منحوتاتهم عمال صينيون، أما المسارح فقد أغلقت أبوابها، كما أن العرب لم ينتجوا منذ عقود فيلما يستحق الذكر. فلمَ لا يكون رساما مَن يرغب في أن يكون كذلك من غير أن يلتفت إلى ما يملكه من مقومات؟ في مواقع التواصل الاجتماعي هناك الكثير من الرسامين والشعراء صاروا يدعون إلى الملتقيات الفنية والأدبية باعتبارهم أدباء وفنانين مكرسين، إنه أمر مضحك أن يصنع الوهم الواقع، غير أن ذلك ما يحدث. يمكنني أن أجزم أن تسعين بالمئة ممَن يشاركون في الملتقيات الشعرية والفنية هم من الهواة الذين لا مستقبل لهم في حرفة الشقاء، وهي حرفة صعبة تتطلب الكثير من الجلد والتعلم والمعرفة والحفر في الحجر بأصابع عارية كما يُقال. لا يكفي أن تكون متألما لتروي حكايتك، ينبغي أن تتمكن من أدواتك الفنية لتروي ألمك، لكن ماكنة الاستثمار لا تكف عن العمل وهي قادرة على اختراع رسامين وشعراء ومغنيين وروائيين وموسيقيين إن لم يظهروا بشكل طبيعي. وهو ما يجري اليوم في الألم العربي على مستوى واسع، باستثناء القلة من المبدعين، فإن كل الظواهر الفنية والأدبية هي صناعة رثة. ولأن هناك مَن يؤمن أن المال يصنع المعجزات، فإن حجم الإنفاق في العالم العربي على ما يسمى بـ”الثقافة”، هو أكبر من أمثاله في كل يقاع العالم. غير أن النتائج يمكن التعرف عليها بما تشهده الحياة الفكرية والذائقة الجمالية في العالم العربي من انهيار قد تكون مفردة التراجع تعبيرا تزيينيا الغرض منه التضليل، نحن في حالة انهيار ثقافي. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :