هنالك إشكالية نفسية واجتماعية أدت إلى ذلك الإهمال المتواتر الذي دفع بصانعي القصص إلى الاختباء خلف قصصهم ورضاهم بما تصيبه الصحيفة من نجاح وانتشار.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/09/05، العدد: 10742، ص(18)] لا يكاد يمرّ الوقت إلا وقصة صحافية تم نسجها وبثّها للجمهور العريض في أنحاء العالم . عادة التعاطي اليومي مع الخبر الصحافي وإنتاجه وصياغته صارت جزءا مهما من مفردات حياة ضاجة ومصطخبة وحبلى بالأحداث والتطورات. الغريب في الأمر أن ذلك الجمهور المستهلك والعريض لا يشغل باله كثيرا بالسؤال: من الذي صنع تلك القصة أو القصص الصحافية؟ حديث القصة الصحافية سوف يتّسع إلى توصيفات شتى ومنها مثلا قول ماثيو أرنولد “إن القصص الصحافية إنما هي نوع من الأدب الذي يُقرأ على عجل”. لعلّ تلك العجالة التي طبعت العلاقة مع لغة الصحافة هي التي جعلت من عملية استهلاك القصص الصحافية عملية سهلة من جهة وأن تلك الأجواء كانت كافية بالنتيجة لتغييب صانعي القصص الصحافية أنفسهم. صانعو القصص الصحافية المثابرون الذين درجوا على تلك المهمة ونذروا أنفسهم لها يجدون أنفسهم جزءا من منظومة النسيان تلك، إنهم أولئك الصانعون المهرة للقصص الصحافية الذين يشعرون بأنهم يقومون بمهمة تتجدد في كل يوم مع تضاؤل الإحاطة بها إلى درجة أن إحدى المنصات الرقمية العملاقة قد توصلت إلى استحداث صانعي قصص روبوتيين وطلبوا التفاعل مع المشروع، هنا تتم مقاربة هذه الإشكالية بطريقة غريبة وكأن صانع القصص جامد وسلبي ولا يفعل الشيء الكثير لغرض الوصول إلى الجمهور العريض سوى فبركة بضع قصص في طريقها إلى الاستهلاك يمكن أن يصنعها روبوت أصم. إنها حقا نظرة تبسيطية لواحد من أهم مفاصل العمل الصحافي حيث يجري طمس الصنّاع المهرة وتغييب أدوارهم في الخوض في لجّة الأحداث والخروج منها بتلك القصص التي تتجدد وتتدفق على الجمهور العريض. كان صانعو القصص في الحقبة النازية يشكّلون ظاهر عجيبة، فقدرتهم على تسويق قصصهم إنما ارتبطت ليس بذلك الجمهور المتعجّل بل بالجمهور المتعطش الذي لديه استعداد مسبق للتصديق بكل القصص والتفاعل معها، وبذلك وجد من يتبنى القصة الصحافية ويدافع عنها، تلك هي حال صحافة الأنظمة الشمولية. مؤخرا تم نقل تفاصيل عن أجواء قيام زعيم كوريا الشمالية بتجاربه الصاروخية ورافقتها انطباعات جمهور كوري متنوع ظهر أنه لم ير بعينه صاروخا ولم يسمع شيئا، سوى أنه مستعد لتبني القصص الصحافية التي يجري ضخها له سواء أكانت حقا أو باطلا. هنالك إشكالية نفسية واجتماعية أدت إلى ذلك الإهمال المتواتر الذي دفع بصانعي القصص إلى الاختباء خلف قصصهم ورضاهم بما تصيبه الصحيفة من نجاح وانتشار، فتلك غاية المنى وبذلك رضي هؤلاء الصانعون المهرة للقصص الصحافية بما ستؤول إليه الأمور من رواج أسماء تعلق عليها بينما تتناسى وتُسقط الصانعين المهرة الحقيقيين. ظاهرة كانت قد ولدت من رحم غرفة الأخبار، إذ أدمجت القصص الصحافية بالشكل الأدبي السردي، لكن الأمر اتخذ شكلا آخر أصبحت فيه القصة الصحافية في حد ذاتها موضوعا لكن جمهورها العريض ظل يخذلها لكونه جمهورا مكتفيا بالاستهلاك وعلى عجلة من أمره، ولهذا فلن يكترث بصانعي القصص وكأنها نوع أدبي من دون مؤلفين. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :