الإشكالية الوحيدة في ما يتعلق بالتغطيات الصحافية كانت في المسكوت عنه المتعلق بعدد القتلى من الجيش الأميركي حيث كانت أعدادهم في تصاعد مستمر.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/08/01، العدد: 10709، ص(18)] صحافة الحروب والأزمات التي عصفت بالعالم كانت ولا تزال نوعا استثنائيا وإشكاليّا من الصحافة، وما عصفت بالعالم حرب عالمية أو إقليمية أو محلّية إلا ودار حولها جدل عن الأداء الصحافي ومهمة الصحافيين وماذا جرى هناك في الجبهات وأين هي حدود المصداقية والزيف والتضليل في القصص التي قُدّمت إلى الرأي العام. صحافيون مقنّعون أو صحافيون من دون أقنعة تلك هي الصفة التي لازمت جيل صحافيي الأزمات والحروب؛ حيث تتوارى شخصياتهم ومواقفهم التي يؤمنون بها وتنسحق أمام قوة المؤسسة المالكة والسلطات وسطوة الرقيب. لم تكن حرب فيتنام أوّل حرب يشتعل حولها الجدل في جدواها ونتائجها الكارثية من جهة ووظيفة الصحافة والصحافيين فيها، الحديث عن دور الرقابة في اجتزاء الوقائع وحجب حقائق بعينها كان أمرا معتادا كما هي الحال في أي حرب على الرغم من أن أرشيف تلك الحرب الكارثية كان يشير إلى مرونة استثنائية في إطلاق حرية الصحافيين للسفر إلى مواقع الحرب وتغطيتها، تلك الحرب التي قارب عدد ضحاياها على مليوني إنسان. الإشكالية الوحيدة في ما يتعلق بالتغطيات الصحافية كانت في المسكوت عنه المتعلق بعدد القتلى من الجيش الأميركي حيث كانت أعدادهم في تصاعد مستمر. لم يكن الأمر مختلفا كثيرا في حرب احتلال العراق، الجنود الأميركان الملفوفون بالأعلام الأميركية كانت تلاحقهم عدسات وأقلام الصحافيين وخاصة لجهة الإفصاح عن أعدادهم الحقيقية وليست أعدادهم التي يحصيها قادة ميدانيون ثم يعلنون ما يُسمح لهم بإعلانه ثم ما عُرِف بلعنة العراق التي لاحقت الجنود وهم عائدون إلى بلادهم وهم يستغيثون من عاهة ما صار يختصر PTSD أو متلازمة اضطرابات ما بعد الصدمة، الصحافيون ما لبثوا أن التزموا الصمت أمام تلك الظاهرة الكارثية المفضية إلى عمليات انتحار شبه يومية يرتكبها أولئك المحاربون الأميركان المحطمون لكن الأمر ما لبث أن أحيل إلى كونه مشكلة طبية نفسية عقلية لا تستحق أكثر من استشارات في عيادات متخصصة ومواقع إرشادية على الإنترنت وبذلك لازم الصحافيون الاستقصائيون الصمت. يسكت الصحافي تحت الضغط الرسمي ولكون العدد الحقيقي للقتلى يرتبط بالأمن العسكري والاستخباري والمعنويات ويسكت عن أعداد المنتحرين. الصحافي وهو يرتدي قناع تعويم الذات وإسكات الضمير في الساحات الأكثر تفجرا وكارثية وكذلك في وسط الأحداث التي تتطلب ضميرا إنسانيا يقظا تثير قضية إشكالية تتعدّى قصّة المصداقية والتضليل الإعلامي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إلى السكوت الإجباري الذي يمنع الصحافي من جلب الحقيقة كاملة إلى الرأي العام، ربما حصل ذلك في حروب وصراعات سابقة حيث لم تكن التكنولوجيا التواصلية قد وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. الجنود الذين كانوا يتقدّمون في معركة الموصل كان الكثيرون منهم يحملون معهم هواتف نقّالة ذكيّة وحديثة وثّقوا بواسطتها أعمالهم الحربية وعندما وجدوا فرصة للولوج إلى الشبكة العنكبوتية كانت مقاطع الفيديو قيد تداول الآلاف من المتابعين واستعيض عن الصحافي الموثّق وانسحب ذلك على بعض الانتهاكات التي تم السكوت عنها وفضحتها كاميرات الجنود. الصحافة تنادي دوما بالحرية، صحافة وصحافيون من دون أقنعة، ولا رقابة ولا ممنوع لكنّ واقع الحال يقول إن الأقنعة الإجبارية سوف تبقى تلاحق الصحافي في أكثر أدواره حساسية لكي يحجب قسما من الحقيقة متواريا خلف قناع المؤسسة الإجباري. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :