عندما كُنَّا طلاّباً نتلقّى العِلْم عَلى يَد مَشايخنا؛ في الحَرَم المَدني والجَامعَة الإسلاميّة بالمَدينة المُنيرة، دَرَسْنَا بَاباً في الفقه يُسمّى بَاب الجَنَائِز، وحِين توغّلنا في هَذا البَاب؛ وَجدنَا أنَّ القَبر نوعَان، هُناك اللَّحد، وهُناك الشَّقّ، وكِلاهُما جَائز، غَير أنَّ أصحَاب الفقه النَّجدي يُحبّذون اللَّحد، في حِين أنَّ أهل الحِجَاز يُفضّلون الشَّقّ..! وقَد قَالت كُتب التُّراث عَن الفَرق بَين الشَّق واللَّحد: (أنَّ الشّقّ هو الحُفرة التي يُوضع فيها الميّت؛ وتَكون في وَسَط القَبر، وأمَّا اللّحد فإنَّه يَكون في جَانِب القَبر، وكِلاهُما جَائز مَشروع، ولَكن اللَّحد أفضَل؛ لقَول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا". ولمّا توفي -عليه الصّلاة والسّلام- اختَلَف الصَّحابة هَل يَشقون لَه أم يَلحدون؛ فأرسَلوا إلَى رَجُلين أحدهما يَلحد والآخر يَشق؛ فقَالوا: أيُّهما جَاء أوّلاً فقَد اختَاره الله لنَبيه -عَليه الصَّلاة والسَّلام-؛ فجَاء الذي يَلحد أوّلاً؛ فصَنعوا للنَّبي -صلَّى الله عَليه وسلَّم- لَحداً)..! إنَّ القبر مُخيف ومُرعب، سواءً كَان شَقاً أو لَحداً، وسأذكر لكم تَجربة مَررتُ بها داخل القَبر..! قَبل فَترة توفي شَخص قَريب جدًّا لي، وبحُكم القرَابة الشَّديدة، كَان لابد عَليَّ أن أُنزله القَبَر، وكَان الوَقت ليلاً، فنَزلتُ إلَى القَبر مَع ابن عمّي، ونَاولونا الجُثمَان، فتلقّفناه، وأدخلنَاه في لَحده، والحُزن يَملأ قلبي، إذ كَيف أُدخل في جوف التُّراب مَن كَان لي أغلَى الأهل والأصحَاب..؟! لقد وَضعنَاه في لَحده عَلى جَنبه الأيمَن، وكَان مَلفوفاً بأغطية بيضَاء، ورَائحة السِّدر والكَافور تَفوحان مِنه، ثُمَّ فَككنَا الأربطَة التي تَحفظ لَفائف الكَفَن؛ المُحيطة بالبَدَن، بَعدها أخذنَا اللّبِنات، وكُلّ لَبنة طولها قرَابة المتر، ثُمَّ سَددنَا بهَا اللّحد، ووضعنَا الطّين بين الفجوَات، بحَيثُ يُصبح الجُثمَان في فضَاء؛ يَمنعه مِن أن يُطمر بالتُّرَاب، كَما يَحدث في القَبر، إذَا كَان مِن فَصيلة الشّق، ولَيس اللّحد..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: لقد كَانت لَحظات عَصيبة، فهَذه أوّل مرّة أُدخل جُثماناً في القَبر، ولَكن يَبدو أنَّ مُمارسة الرياضَة، وبالذَّات المَشي حَول المَقابِر، جَعلت الخَوف مِن القَبر يَتآكل، مَع كُلِّ ريَاضة حَول المَقبَرة..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :