أسراب نوارس..الحب - نجوى هاشم

  • 8/10/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

‏ألّفت الممثلة البريطانية "سارا مايلز" التي بدأت مشوارها الفني في الستينيات من القرن الماضي "رواية " تدور أحداثها في الوسط السينمائي.. ثم في دنيا الأمراض المستعصية والتي كما تقول إنها استوحتها من تجربتها الشخصية في الحياة..(فقد تزوجت من زوجي الراحل الممثل والسينارست "روبرت بولت" وعشت معه ثماني سنوات ثم انفصلنا لأسباب بدت لنا فيما بعد سخيفة جداً بالمقارنة مع درجة ارتباطنا ببعضناالبعض.. وتزوجنا مرة ثانية بعد مرور ثماني سنوات إضافية على طلاقنا.. وهنا أصيب زوجي بجلطة في المخ تسببت في شلله الكلي ورحت أهتم به شخصياً في بيتنا الكبير بالريف الإنكليزي ولم أقبل الاستعانة بممرضة محترفة إلا في أمور محددة بين حين وآخر.. وتوفي زوجي بعد سبع سنوات من الحادثة.. وأنا منذ ذلك الحين أسست جمعية لرعاية المعوقين بمعاونة مجموعة من النساء واتخذتُ مقراً لها في المنزل نفسه الذي عشتُ فيه مع زوجي .. ومنذ مرض زوجي ابتعدت عن السينما والمسرح وعن المهنة الفنية بشكل كامل ليس لأن التمثيل لم يعد يعجبني .. لكن لكون الأمور المحيطة به من شهرة ومال وزيف في العلاقات الإنسانية بدت لي فجأة سطحية ومجردة من أي معنى إلى درجة أعجز عن وصفها .. إن ابني الوحيد هو الذي انغمس في الحياة السهلة الآن وصار من أشهر مصممي الساعات الفاخرة في العالم .. وفي سويسرا بالتحديد.. حيث يكسب أموالا ً طائلة ويعد بين زبائنه أصحاب الثروات الكبيرة جداً في العالم.. أتمنى له السعادة والرفاهية بطبيعة الحال .. وفي الوقت نفسه أحلم بأن تعلمه الحياة بعض الحقائق.. وتعيده إلى طريق الرشد.. والصواب.. أقصد الروحانية..). استوقفتني "سارا مايلز" بتحولها إلى ممرضة محترفة وتركها مهنتها منذ أن مرض زوجها وتقاسمها المرض معه من خلال الرعاية الكاملة له واحتراف التمريض رغم صعوبة ذلك .. هل هو الحب؟.. أم الوفاء؟ أم أنها المرأة لم تختلف ذات العطاء العظيم والجميل الذي تستخلصه من الألم.. المرأة التي لا تختلف مهما اختلفت العصور .. المرأة في كل الأزمنة والأمكنة والتي تنسجم مع قناعاتها وتذوب في حبّها وتروّض زمنها وشبابها وإحساسها للرجل الذي أحبته وأصبح عاجزاً لتحول هذا الإحساس إلى مسار خاص من التدفق الإنساني داخله.. تظلله كل لحظة وكأنها أيامه المشرقة.. وتشعره بأنه كما هو ورغم عجزه لاتزال السعادة موجودة من خلاله.. ! ترفض الممرضة إلا في أضيق الحدود.. وتعتزل مهنتها لتكون معه وله وبجانبه، تفتح نوافذ الإحساس له.. وتتلمس معه أنس تلك السنوات الجميلة التي عاشاها معاً، تذكّره بألوان واشكال الزهور.. وتستعيد معه روائحها من خلال "جنون الحب".. وطقوس الوفاء التي تتناوب فيها الحقيقة والخيال.. ! من تجربتها تثبت أنه دائماً هناك ثمة سيد لايمكن هزيمته هو" الحب " إنه قانون خاص له أسراره وله غيومه ويهطل في كل الفصول.. من عرفه لن يتوه في الأزقة، أو يجد حياة أفضل من الانغماس داخله لتصبح حياته سارية المفعول ما دام حياً.. ! "سارا" أحبت بفوائض تجعلها تبقى مع زوجها في شهور وسنوات الوجع والعجز تبذر له الحياة كل يوم بتمريضها له.. بذرة بذرة.. ثم تنتظر معه بمزاج العاشقين أن ينبت الزرع .. هي من يزرع وهي من يحصد له ومعه..! إنها زراعة القلوب الحقيقية التي زرعتها هي وزوجها والتي تقول إنه عندما عادت إليه بعد الانفصال الأول بدت أسباب انفصالهما سخيفة جداً.. هو الحب الحقيقي الذي لاتحمله الرياح.. ولا تقتلعه العواصف.. يصمد مع الأزمات، ويستديم في الوجع، ويسلم نفسه للحياة عندما تعتصره الأزمنة المضطربة..! هي الآن وبعد أن حولت منزلها إلى جمعية لرعاية المعوقين نفس المكان الذي عاشت فيه معه الحب والزواج لمرتين ثم المرض لسبع سنوات .. لاتزال تعيش الحب والروحانية مع زوجها الغائب.. يسكن فيها من خلال ما تقوم به.. ويسكن في كل الناس الذين تلتقيهم وتفرغت لهم لتراه من خلالهم..! لاتزال تتداعى داخلها المشاعر وتهبط وتنساب مضيئة .. دافئة.. مؤنسة بحضوره الغائب.. ليست نثاراً فتجمعها.. بل هي الحياة كل الحياة.. (فالحب جزء من حياة الرجل.. ولكنه كل حياة المرأة..) "بيرون" حكايتها حكاية أغلب النساء حتى من لاتتعلم لكنها تتقن الحب فكارمن سيلفا تقول (مهما بلغ الجهل بالمرأة .. فإنها تعرف عن الحب مالايعرفه أعلم العلماء..) المرأة المحبة الصادقة العاشقة المخلصة التي تتوهج مع عبثية الألم .. وقسوة الموقف .. وتغرق في سبات نصفها الغائب بكل معرفتها لتكون لسانه وقلبه وعقله وزمنه الذي يتسحّب منه.. ومشروعه القابل للحياة.. تواجه هول الحقائق.. من خلال اختصارها حياتها الطبيعية في ذاته هو لتمنحه حياة يستمتع فيها بعبور أسراب نوارس الحب..!!

مشاركة :