كان يفترض أن يدرك رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي أن وقته انتهى، منذ دعاه المرجع الشيعي علي السيستاني الى التنحي حفاظاً على وحدة العراق ولمنع تمدد تنظيم «داعش» الذي يستغل حالة الاستقطاب السياسي الحاد لتوسيع سيطرته في المناطق الخالية من أي وجود أمني حكومي بعد ان أخلاها الجيش العراقي، وترك أهلها عرضة للقتل والتهجير، يبحثون في العراء عمّن يسعفهم بقطعة خبز أو نقطة ماء. كان يفترض ان يدرك المالكي ان وقته انتهى عندما التقت معظم المكونات العراقية، بما فيها بعض التكتلات الشيعية، على مطالبته بالابتعاد عن موقع رئاسة الحكومة، والموافقة على هذه «التضحية»، خدمة لمصلحة العراق. وعندما بدأ تداول الاسماء البديلة، ومنها اسماء كانت مقربة من المالكي الى فترة قصيرة. كان يفترض ان يدرك المالكي ايضاً ان وقته انتهى عندما اوضح له الاميركيون انه بات عقبة، بل العقبة الاساسية، في وجه أي حل للأزمة الحكومية والامنية المتفاقمة في العراق. وزير الخارجية جون كيري اكد في اكثر من مناسبة ان هناك حاجة لعملية انتقال سياسي تسمح بوصول شخصية غير استفزازية الى رئاسة الحكومة. اما الرئيس باراك اوباما فقد بلغ به الامر، في حديثه الاخير الى صحيفة «نيويورك تايمز»، ان ابلغ توماس فريدمان ان السبب الاساس الذي دفعه الى عدم اتخاذ الأمر بقصف المواقع التي سيطر عليها تنظيم «داعش» هو انه كان من شأن ذلك أن يخفف الضغط عن المالكي وأن يشجعه على الاعتقاد ان لا حاجة للتوصل الى تسويات وللتفكير في الاخطاء التي ارتكبها في السابق. اعتقد المالكي انه صاحب الكلمة الاخيرة في ما يتعلق بمستقبله في رئاسة الحكومة. نسي إيران التي كانت صاحبة الكلمة الاساس في وصوله. ونسي الولايات المتحدة التي لا تزال مساعدتها العسكرية وغطاؤها السياسي ضروريين لاستقرار العراق المنهك من آثار الاحتلال وما اعقبه من سوء ادارة ومن اضطراب امني. بل ان المالكي تجاهل الاطراف الآخرين الاساسيين في مثلث الحكم العراقي. استعدى القادة السنّة ولم يوفر بعضهم من تهمة الارهاب والملاحقة الجنائية، ما دفعهم الى الهرب من البلاد واللجوء الى دول الجوار. استعدى كذلك القادة الاكراد الذين ظلت مناطقهم الوحيدة التي تنعم بما يشبه الحياة الطبيعية، بينما باقي المناطق تعاني من غياب الامن ومن انهيار الادارة والخدمات. وباستثناء العلاقة مع ايران، التي ظلت محكومة بمصلحة الايرانيين، اي انها بقيت علاقة من طرف واحد، قاد المالكي العراق الى علاقة سيئة مع دول الجوار، وعلى الاخص مع منطقة الخليج، وهي المنطقة التي كانت دولها قادرة على دعم العراق ومساعدته في اكثر من مجال. وتجاهل المالكي الحساسية التي يرتبها نقل العاصمة العراقية بتاريخها المعروف كحاضنة للخلافة الاسلامية الى كنف النفوذ الشيعي، من دون أي اعتبار لموقع العراق ولدوره التقليدي في المنطقة. وبلغ التحدي والغرور بالمالكي ان اطلق الرصاصة الاخيرة على إمكان خروجه بشكل لائق من رئاسة الحكومة، بعد ان عجز عن فهم كل الرسائل، وآخرها قرار الرئيس الجديد فؤاد معصوم بتكليف نائب رئيس مجلس النواب حيدر العبادي رئاسة الحكومة. والسؤال الآن هو الى أي مدى سيستطيع المالكي المضي في هذا التحدي، وهل سيستخدم القوات الامنية، التي امسك بها بشكل منفرد في السنوات الماضية، لمواجهة قرار الرئيس العراقي في الشارع، بعد ان عجز عن مواجهة ذلك من داخل المؤسسات؟ يفترض في هذه المرحلة ان يلعب المرجع الشيعي السيستاني دوراً اساسياً لتجنب أي انهيار أمني ولاخراج العراق من المأزق الحالي، برفع الصوت اولاً للقول ان مصلحة الشيعة قبل غيرهم تقتضي وجود شخصية توافقية في رئاسة الحكومة. وان مصلحة العراق تبقى أهم من المالكي أو أي شخص آخر. فقد دفع العراقيون ثمناً باهظاً لاحتلال الكراسي ولاعتبار البلد بضاعة شخصية يتصرف بها الحاكم على هواه.
مشاركة :