احترام الصمت - ثقافة

  • 9/21/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ماذا لو صادفتم يوما وأنتم تجلسون في محفل من المحافل فردا يلتزم الصمت طوال الوقت، ولا يشارك في الحديث الدائر إلا بمحض ابتسامة فاترة، أو إيماءة عابرة؟ وإن وجه أحد له الكلام رد باقتضاب يضع السائل في حيرة من أمره، فلا يكاد يعلم هل يستمر في محاورته أم يصرف النظر عنها؟ ربما قابلنا بعض تلك النماذج في طريق حياتنا الطويل، وربما راودتنا أفكارنا الخاصة عنهم، وأطلقنا الأحكام جزافا عليهم دون معرفة بخلفيتهم الاجتماعية أو النفسية، وأعطينا لأنفسنا الحق في محاكمتهم، واغتيابهم، والتندر عليهم بعد انصرافهم. وربما شعرنا في قرارة أنفسنا بالأسى لهم، وأطلقنا العنان لخيالاتنا أن تحيك حولهم القصص. لكن على أي حال، فالصامتون لا يكونون أفرادا محببين في مجالستهم والاختلاط معهم، لأنهم ليسوا مصدر أنس أو تودد. وقد راودتني وأنا أفكر في تلك الفكرة عدة مواقف وقصص عن الصمت، وكيف يكون وسيلة ناجعة في أكثر المواقف صعوبة، أو يكون أفضل رد على الآخرين، ورأيت أنه من الواجب علينا أن نحترم صمت الآخرين ونقدره حق قدره، فرب صمت أبلغ من كلام. وليس كل من يصمت لا يملك القدرة على الرد، فهناك من يصمت لكي لا يجرح، وهناك من يصمت لكي لا يفضح، وهناك من يصمت لأنه لعظيم جرحه يتألم، وهناك من يصمت لأن القول لن يفيد إذا تكلم، وهناك من يصمت وقت غضبه لألّا يخسر، وهناك من بصمته يتأمل في الكون ويبحر. يروى عن أحد الصالحين أنه كان في طريق عودته لبيته ذات يوم، وإذ برجل من السفهاء يعترض طريقه محاولا استثارته، وظل يسمعه من السباب والقول القبيح ما تنوء به الكواهل، والرجل يسير في طريقه دون أن يلتفت، والسفيه يسير خلفه ناعتا إياه بأقبح الألقاب أملا أن يتوقف ليرد عليه جوابا، وبعد فترة من سيرهما هكذا، توقف الصالح فجأة والتفت إلى من يسبه، ثم قال له وهو يبتسم: ياهذا، لقد تركتك طوال الطريق تقول ماشئت، وما أحببت أن أقاطعك حتى تقضي وطرك من مسبتي، أما الآن فيجب علي أن أنبهك لأمر مهم، وأشار لبيت قبالته ثم قال: هذا بيتي، وفيه من الرجال ما إن سمعك أحدهم تقول ما تقول؛ فلن يتورع أبدا عن قطع لسانك، لذا، إن كان ما يزال في نفسك حاجة، ولم تنته بعد مما تفعل، فإني أفضل أن نقف هنا حتى تفعل ما أنت فاعل ثم تنصرف إلى حال سبيلك في أمان، فأسقط في يد السفيه وانصرف خجلا. حقا، قد يعد الصمت محيرا أو مريبا، في حين يراه البعض فرصة رائعة للتأمل والتفكير، ودليل على احترام ما قاله الآخرون. يقال في اليابان إن «خير من تنصت إليه هو الرجل الصامت». ويقال إن الفنلنديين يقدرون الخصوصية والتحفظ ويجيدون فن الإنصات، يفضلون جلسات الصمت والاستغراق في التفكير، ويعد احترام الصمت في هذه الحالة إيجابيا للغاية. وفي الصمت قال أحد الشعراء: ان كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الاخيار ولئن ندمت على سكوت مرة فلقد ندمت على الكلام مرارا إن السكــون سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضرارا واذا تقرب خاسر من خاسر زادا بذاك خسارة وتبارا وللصّمت فوائد وفضائل عديدة، فقد قيل إن الصمت من أفضل العادات والعبادات، ومن أعظم الغنائم والكُنوز، يُؤَمّنك من الندامة ويضمن لك الكرامة، أما الصمت الأعظم فهو صمتك كي ترقي بنفسك، وتتخير أسلوبك، وربما يكون الصمت هو العنصر المحوري الفعال الذي يتيح لنا فهم أنفسنا وفهم الآخرين، وإرساء التفاهم المتبادل بين الناس، ويساعدنا على تحقيق نتائج مثمرة في كل مجالات الحياة البشرية». hanaank64@yahoo.com

مشاركة :