فيلم روماني عن تراجيديا القردة ومعاناة الإنسان المقموع بقلم: عمار المأمون

  • 1/29/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المخرج أليكساندرو سولومن يضعنا من خلال فيلمه خصيتا طرزان أمام تناقضات تأخذنا من عوالم تبدو منتمية إلى الخيال العلمي لينتهي بنا إلى تجربة إنسانية صرفة.العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/01/29، العدد: 10884، ص(14)]وثائقي يحكي قصة معهد طبي سوفييتي أقرب للخيال العلميّ باريس- قام المخرج الروماني أليكساندرو سولومن مؤخرا وإثر زيارة البطرك الرومانيّ لموسكو بالاحتجاج فنيا على هذه الزيارة بوصفها تتجاهل سياسات القمع الشيوعيّة التي عانتها رومانيا، إذ قام سولومن بتعليق صور لبوتين والبطرك الروماني كيريل وغيرهما على رقبته ووقف في ساحة البطركيّة الرومانيّة، ثم قام بجرح يده بسكين صغيرة، ثم وزّع النقود على الناس هناك، لتأتي قوى الأمن وتوقفه وتحقق معه لعدّة ساعات، سولومون معروف على الساحة الفنية بأفلامه الوثائقيّة المثيرة للجدل كالسرقة الشيوعيّة الكبرى عام 2004 و”الرأسماليّة: الصيغة الخاصة بنا” الذي أكسبه شهرة عالميّة منذ عام 2010. صدر مؤخرا لسولومن الشريط الوثائقي “خصيتا طرزان” والذي عرض في دور السينما وشارك في المهرجان العالمي أفلام حقوق الإنسان، تدور أحداث الفيلم في سوخومي عاصمة أبخازيا التي لا يعترف بها كدولة سوى من روسيا ودول أخرى معدودة على الأصابع، في الفيلم يستكشف سولومن أول معهد للأبحاث الطبيّة والعلاجيّة في العالم، والذي أُنشئ في الحقبة الشيوعية في العشرينات، ومازال قائما إلى الآن بالرغم من بنائه شبه الفارغ والتساؤلات القانونيّة المثارة حول طبيعة نشاطه، فالمعهد يجري تجارب على القردة لاختبار ما يعرف بترياق الشباب الذي يستخرج إثر تجارب على خصيّ القردة، ومن هنا يأتي اسم الفيلم، أما طرزان فهو أحد القردة المولودة في المعهد، الذي كان له دور في تطوير هذا “الدواء” الذي يوزع في أميركا وأوروبا. يثير الشريط الاضطراب لدى مشاهدته، ويعكس تناقضات هائلة في طبيعة المجتمع والسلطة السياسيّة إلى جانب مقاربته لعوالم أفلام الرعب والخيال العلميّ، إذ يبدأ الفيلم بأسطورة عن أبخازيا بوصفها جنة أهداها الله للإنسان، ليأخذنا بعدها إلى تمثال لقرد نُصب عام 1977 تكريماً للقردة ودورها في تطوير علاجات الأمراض البشريّة، لننتقل بعدها إلى بناء المعهد، حيث نرى قردة حبيسة الأقفاص وتحقن بعقاقير مختلفة لاختبار صلاحيتها وخصوصاً تلك التي يروّج أنها تعيد الشباب وتحارب الشيخوخة.مقاربته لعوالم أفلام الرعب والخيال العلمي وفي ذات الوقت نرى القائمين على المكان الذين بالرغم من تعاملهم القاسي أحياناً مع القردة يكوّن بعضهم ارتباطاً عاطفيّاً مع “موضوعات البحث” التي يعلمون أن مصيرها الموت، بل أن واحدة من المشرفين على البحث تحاول أن تنقذ قردا ربّته منذ ولادته وذلك بتأجيل موعد إخضاعه للتجارب، وعلى النقيض من هذه الحميميّة نرى المعهد مفتوحا أمام السيّاح كما يحوي متحفاً صغيراً من ثلاث غرف تحكي عن تاريخه وأهم القردة فيه وكأنّه صرح للانتصار العلميّ السوفييتيّ. شهرة المعهد لا ترتبط فقط بأن بعض القردة فيه صعدت إلى الفضاء الخارجيّ ضمن بعثة سبوتنيك السوفييتية، بل بسبب الطبيب وعالم الأحياء إيلايا إيفانوف الذي كان يعمل بتمويل من الحكومة السوفييتية على خلق كائنات هجينة بين الإنسان والغوريلا، إذ يكشف لنا الفيلم عن الوثائق المرتبطة بسيرة هذا الطبيب وبداية تجاربه في أفريقيا، ثم عودته إلى الاتحاد السوفييتي ومحاولاته الأولى لتلقيح نطاف بشريّة داخل رحم الغوريلا، ليبدأ بعدها بقبول المتطوعات ليقوم بالإلقاح في رحم بشري، ليأخذنا الفيلم بعدها إلى العاصمة لنرى آثار السياسات القمعيّة الشيوعيّة، وتحول سكان أبخازيا إلى ضحايا، هم لا بشر ولا قردة، بل كائنات خضعت ومازالت تخضع للعنف والتمييز، فهم حبيسو فضاءات استثناء سياسيّة، لا يعترف بوجودهم إلا البعض، وكأنهم الناجون من تجربة فاشلة. ينتقل الفيلم بنا إلى خارج المؤسسة التي نلاحظ أن كل القائمين عليها نساء ولا حضور للرجال، هناك نرى احتفال لجنود قدامى شاركوا في الحرب ضد جورجيا في التسعينات من القرن الماضي، والتي وقفت فيها ابخازيا ذات الـ100 ألف نسمة بوجه جورجيا ذات الـ4 ملايين نسمة، وكأن الجميع ضحايا للحرب التي تركت شرخاً هائلاً في المجتمع وفي المعهد ذاته، إذ تناقص عدد القردة من الستة آلاف إلى السبعمئة، كما يحدثنا عن جيلين من الأبخازيين، الأول شيوعي يؤمن بالعلم ونظرية التطور، والثاني يرفضها بشدّة ومتمسك بالدين المسيحيّ، حتى أن إحدى “الطبيبات” الشابات في المعهد تقول إنها ترفض الإيمان بأن أًصلها كان قردا. الشريط يضعنا أمام مجموعة من التناقضات التي تأخذنا من عوالم تبدو بداية تنتمي إلى الخيال العلميّ لينتهي بنا إلى تجربة إنسانية صرفة عن بلد مهمّش وضحاياه، ففي ذات الوقت الذي نرى فيه القردة ممنوعة من الخروج من الأفقاص نرى الأبخازيين بحاجة إلى ثلاثة جوازات سفر لمغادرة بلدهم، هم أيضاً خضعوا لعنف منعهم حتى من حق أن يكونوا مرئيين وذوي أصوات مسموعة، فمع كل جواز سفر تختلف حقوقهم وأماكن تنقلهم، أشبه بمن ينتقل بين قفص وآخر. يمكن قراءة الفيلم من زاوية ثقافيّة، ومن منطلق تعميم الخصائص البشريّة الثقافية على كل الموجودات، وكيف يمكن للجسد الطبيّ/ المخبري في ظل الأنظمة القمعية أن يتساوى أحياناً مع الجسد السياسي عبر تجريده من حقوقه، حينها لا تعود التساؤلات مرتبطة ببشري أو حيوانيّ، بل بأنظمة شموليّة، تنتهك مفهوم الحياة، وتحوله إلى منتج يفقد وحدته العضويّة وحقه في الحياة إن كان طبيّا ومواطنته إن كان سياسياً، ما يجعل الفيلم غنياً بالقراءات وخصوصاً أنه يستعيد صورا ووثائق تاريخيّة تعكس وحشيّة المؤسسة الطبيّة والعلمية في الحرب الباردة والتجارب التي كان يخضع لها البشر من أجل خلق كائنات حرب أو جنود خارقين.

مشاركة :