الخوض في الكراهية والازدراء من المنظور الديني أو المذهبي والطائفي اتجاه غير مريح لأسباب منها أن الكراهية الدينية مجال واسع ومتشعب تختلف فيه الاتجاهات والأفكار وتتأثر بالأيديولوجيات والتيارات السياسية التي تمتد جذورها في التاريخ. إن الكتابة في الكراهية الدينية قد تفهم خارج دلالاتها أو مقاصدها الحقيقية، وأتمنى ألا يساء الفهم بعد الانتهاء من قراءة مقالات هذا الموضوع الذي أراه غاية في الأهمية والبحث. المقصود بالكراهية الدينية تلك الكراهية الناشئة من الاختلاف في الأديان، وبين مذاهب الدين الواحد، وحتى في الرؤية والموقف، الناتج من التعصب الديني، والخطاب الديني المتطرف، وبالجهل والعواطف السلبية حيث الغريزة المدمرة، والرغبة في الثأر والعنف والانتقام بسبب الشعور بالأفضلية والاستعلاء. هذه العوامل وغيرها تحتاج إلى المزيد من التعمق في دراساتها من أجل استجلاء الحقائق، خصوصا أن العالم الإسلامي يعاني كثيراً من ضراوة استغلال الدين لأهداف سياسية جعلت العالم يستهجن سلوكيات بعض المسلمين ليس في الإساءة لمن يختلفون معهم، وإنما تصوير الدين بأنه دين عنف وكراهية ونبذ للآخر ما خلق ظاهرة «فكر الكراهية»، والخوف من المسلمين أو من الإسلام «اسلاموفوبيا». لقد ظهر مصطلح الإسلاموفوبيا للمرة الأولى في تقرير نشره وزير الداخلية البريطاني عام 1997، يظهر أن الكراهية أو التمييز أو الإقصاء لا أساس لها ضد المسلمين، رغم أن الإسلام قوة سياسية عنيفة، وليس مجرد معتقد ديني، وبالتالي تظل مخاوف غير المسلمين من الإسلام قائمة. لكن الكثيرون وجهوا الانتقادات لمفهوم الإسلاموفوبيا على أساس أنه جهل بالإسلام، وترسيخ للكراهية، وتبرير لاتخاذ مواقف عدائية ضد المسلمين، خصوصا الذين يعيشون في الدول الغربية. الكثير من المسلمين يشاطرون الرأي حول مفهوم الإسلاموفوبيا، خصوصاً المعارضين لإدخال الدين في السياسة، وتحريف تعاليم الدين، خصوصاً في مسائل الخلافة والدعوة للجهاد، وتكفير الناس، وترسيخ المذهبية، وإشغال الدين في النزاعات. وهؤلاء يعتمدون في حججهم على الكراهية الدينية السائدة في العالم العربي، والصراع الدائر بين مختلف الأحزاب الإسلامية ضد بعضها البعض، وضد غيرها من أتباع الأديان الأخرى. لهذا، جاءت مبررات التيارات العلمانية والليبرالية والشيوعية العربية تستند على أن عدم فصل الدين عن الدولة سبب أساسي في استغلال وتشويه الدين، وإدخاله في النزاعات السياسية، لكنها تيارات خلطت بين الإسلام كدين، وبين الإسلام السياسي كأيديولوجية تكافح من أجل السلطة والحكم. تشير الدراسات إلى أن فكرة الفصل بين الدين والسياسة والتي تأثرت بالثورة الفرنسية، كان هدفها تخليص الناس من عبودية الكنيسة، وتدخل رجال الدين في شؤون الدولة، لكنها حالة لا يتفق عليها الكثيرون عند المقارنة بين المسيحية والإسلام، باعتبار أن الاختلافات الدينية لا تسمح بتعميم مبدأ الفصل، خصوصاً أن الإسلام شريعة ومنهج، وليس سياسة. صحيح أن الإسلام يؤسس للسياسة من حيث الاحكام، والأخلاق والقيم، والحق والباطل، والخير والشر. وهو دين يشكل الأطر العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يقيد الحريات المنضبطة، وينادي بالعدالة والقانون، والانسجام مع تطورات العصر ومقتضيات أوضاعها المتبدلة لهذا فالعلاقة بين الدين والدولة تعتمد على المضمون وليس الآلية، فلا خلاف على هذه الآلية إذا كانت تعمل بآليات مختلفة لكنها في النهاية تخضع لمضمون الدين وتعاليمه. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :