زمن الكراهية (3) - مقالات

  • 10/3/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الكثير من عوامل الكراهية الدينية معروفة، منها الغلو في الفكر، والتعصب للرأي، والنظرة الدونية الاجتماعية والفكرية، وغيرها، ولقد وجد أن أبرز سمات التعصب سواء كان سياسياً ناتجا عن نظام أو تكتل أو حزب، أو تعصباً دينياً تجاه جماعة دينية بعينها هو المرض النفسي الذي يتصف به المتعصب، ولا يستطيع التخلي عنه. فالشخص الذي يعاني التعصب عادةً يرفض الرأي الآخر، ولا يحترم الاختلاف والتعددية لانه يريد أن يحذو الآخرين حذوه، ويتفقوا معه على آرائه وتوجهاته باعتبارها هي الصحيحة أو الصائبة. وعلى عكس التعصب الديني أو الطائفي، نجد التسامح والانفتاح على ثقافة الآخر والذي يرتكز عليه الإسلام المتهم بالعنف والتفرقة. فلا غرابة أن نجد ظاهرة عزوف المسلم عن الآخر، وتصور أن هذا الآخر لديه أفكار هدامة أو غير مستقيمة، ويضمر الشر والعداوة له، ما يتحتم على الفكر المتطرف أن يحارب وينبذ من يختلف معه في صور مختلفة كعدم التسامح والازدراء، مع أن الإسلام دين العقلانية والإقناع بالحقيقة والحوار والانفتاح والتسامح. إن الدين لا يقف حائلاً أمام التلاقي والحوار والاستفادة من الآخرين، ولا يؤيد الانغلاق والتقليد، وإنما يهتم بالاستدلال على الحقيقة والمعرفة والبرهنة، والتطوير، وليس بوضع القيود على كل رأي يخالف أو إقامة السدود لمنع التواصل، وإلغاء رأي الآخر، أو محاربته بالعنف والقتل. التجاوب مع الرأي الآخر أقره الدين، وأشار إليه القرآن الكريم في مواضع عديدة، وهو قائم في العلاقات الحميمة بين مختلف البشر بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. فلا يمكن مثلاً إنكار وجود المسيحية أو اليهودية، أو ازدراء العادات والقيم الأخرى لشعوب وقبائل مختلفة. فالاختلاف سمة الحياة، والكون بما فيه قائم على الثنائية في كل شيء، ويلاحظ ذلك مثلاً في اختلاف السماء والأرض، والليل والنهار، والذكر والأنثى والخير والشر كما يقول القرآن الكريم (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين). لذلك نقول أن الغلو والتعصب في الرأي آفة مرضية مؤثرة سلباً في النسيج الاجتماعي وعلاقات البشر بعضهم ببعض. وللأسف ما زلنا نعيش ظاهرة رفض الآخر وكراهيته حيث القتال بين المسلمين بسبب العصبية والإرهاب الفكري. لهذا لا بد من العمل سلوكياً بمبدأ احترام الآخر والتعاطي مع آرائه بعقلانية. فلا يوجد أحد في مستوى العصمة إلا من قدر الله تعالى لهم ذلك. إن أضرار التعصب للرأي كثيرة منها الهدم والجمود من دون الإيمان بالاختلاف الذي يدعو للبناء. وأن الحاجة للتفاهم بين الشعوب ضرورية لا تتحقق إلا بالانفتاح وعدم الحجر على المعتقدات والأفكار. وإذا كان التعصب الديني آفة، فإن الكثير من الحروب دمرت البشرية بسبب هذا التعصب، والتاريخ يشهد حجم الدمار الذي لحق بالبشرية في قتالها ضد بعضها منذ سالف العصر، وخاصة شدة تأثر الناس بالعصبية في القرون الوسطى عندما كانت محاكم التفتيش في أوروبا تحرق المخالفين للرأي، وكيف أحرقت هذه المحاكم جيوردانو برونو في البندقية عام 1592 بسبب أفكاره المتعارضة مع رجال الدين. إن البشرية، للأسف، لم تتعلم شيئاً من التاريخ، فها هي اليوم تمارس مختلف أبشع العصبيات في علاقات السلطات بالشعوب، أو في العلاقات بين الناس نفسها مستخدمة الدين في التخلص من الرأي الآخر، وإشاعة العنف والفتن. yaqub44@hotmail.com

مشاركة :