لقد برزت في العقود الثلاثة الأخيرة، جماعات ادعت بأنها إسلامية، بعضها حرّف مقاصد الدين فاستغلها على نحو يكاد يتماثل مع اتجاهات النخب السياسية الأخرى، خصوصاً التيار الشيوعي والتيار العلماني اللذين لا يريان أي دور للدين في الحياة العامة. إن الجماعة الإسلامية المتطرفة تسمى بجماعة «الإسلام السياسي» التي تعتبر نفسها امتداداً للتاريخ الإسلامي بذلت أقصى جهودها في تأسيس أنظمة قضائية وسياسية وانتخابية تماثل إلى حد ما الأنظمة السياسية الغربية، لا سيما من حيث الإدارة، والمعارضة، وأدوات الضغط السياسي والاجتماعي وغيرها. لكن الأمر لم يتوقف على جماعة الإسلام السياسي، وإنما ظهرت جماعة أخرى سميت بـ «الإسلام الأصولي»، أو الأصوليين الذين يرون الإسلام ليس ديانة فقط، وإنما نظام اجتماعي وقانوني وسياسي واقتصادي يصلح لكل زمان ومكان. ولقد وجد أن هذه الجماعة لا تحب مصطلح الإسلام السياسي وإنما تفضل مصطلح «الحكم بالشريعة»، أي أن هذه الجماعة هدفها الحكم وتأسيس دولة دينية ثيوقراطية. الباحث في التاريخ الإسلامي يصادف تعدد مسميات الجماعات الإسلامية بين فترة وأخرى، فمن بعد الإسلام السياسي عام 1994، جاء الإسلام الأصولي ثم الثورة الإسلامية، ثم الإسلاميون المتطرفون إلى أن عاد من جديد الإسلام السياسي على النمط الأوروبي في تركيا بعد أن ألغى مفهوم الخلافة الإسلامية عام 1924. المهم إن النزاعات الإسلامية مثلها مثل الخلافات المسيحية ليست حديثة، وإنما لها تاريخ طويل من مواجهات سياسية ومذهبية، ما يعني أن الخطورة ليست في الصراع الإسلامي - المسيحي، وإنما في الصراع الإسلامي - الإسلامي، أو كما يقولون الحرب على الإسلام بالإسلام. فلقد انتقلت عدوى الكراهية والقتال بين المذاهب الإسلامية، وقسم الإسلام إلى إسلام سني وإسلام شيعي ما زالا في عراك أبدي لا ينتهي، ولا أحد يستطيع أن يضع مبررات عقلانية وإنسانية لسفك الدماء بينهما، بينما هذه المذاهب مسلمة تدين بالتوحيد، وبشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. إن استباحة دماء المسلمين بسبب المذهبية تقود إلى تعصب كل طائفة وشدة تمسكها في الاختلاف على المسائل الفقهية رغم أن الأصول والعقائد واحدة. ومع أن الجميع «تمرغ» في وحل الفتنة والمذهبية، إلا أن القتال مستمر في العالم الإسلامي، خصوصاً العربي بسبب الاعتقادات الدينية الخاطئة في أن من يقاتل الآخر مهمته دينية أو إلهية لا أمنية ولا سياسية. فالقتال هدف ديني يؤدي بالمقتول إلى الجنة، والذين يمارسون الدعوة لا يتردد بعضهم في استغلال الشباب التائه في الشوارع بلا عمل ولا أمل بدفعهم تجاه القتل والانتقام والحقد على أساس أنهم سيجنون الثواب بالشهادة وحور العين. فهل بعد ذلك يتوقع عدم الخوف لدى غير المسلمين من الإرهاب أو حتى خوف المسلمين من الذين يدعون بالإسلام؟ الكراهية التي يعيشها العالم الإسلامي، وبالذات العربي، تتخطى الحدود المحلية إلى العالم الآخر، لدرجة أن الدول الأخرى أصبحت اليوم أكثر خوفاً وحذراً من كل فرد يدعي بأنه مسلم، بعد أن شوه البعض من المسلمين صورة الإسلام الحقيقية وجعلوه دين عنف وقتل وإرهاب، بينما هو الدين الأكثر مناداة بالتسامح والإخاء والسلام. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :