صرنا في الدرك الأسفل في العيش والفساد وهروب الملايين عن الوطن المبتلى، جلّهم من الكفاءات التي أغدقت عليهم الدولة ميزانيات هائلة على مدى عقود، توقف الإعمار والبناء، وسيادة مجتمع استهلاكي.العرب صباح ناهي [نُشر في 2017/09/28، العدد: 10765، ص(24)] سوف لا أجزم الرأي على أننا من شعب مغاير لسواه، أو مختلف، وله خصوصية، حد التميز والمفاخرة المفرطة. سوف لا ألجأ إليه، أو أتبنى نظرية عنصرية استعلائية، وأقول بأننا ورثة سبع حضارات ونملك شرعية العالم القديم قبل سوانا، جعلت البعض يتوهم، بأن عقولنا مميزة وهي نتاج واقع خاص انصهر ببوتقة أحداث جسام أخرجت كل واحد منا كالمارد من قمقم جحيم تجارب خلص منها مجتمع نخبوي خاض عشرات الحروب جعلتنا ننظر إلى حروب غيرنا ملهاة، أو هي أيام معدودات، ليس إلا. نعم هذا وسواه الكثير مما نحكي فيه نحن العراقيين حين نجتمع ونراجع أنفسنا لنحصي تاريخنا المجيد المعذب، بل نمنُّ على الآخرين أنهم لم يعيشوا ظروفا كظروفنا، من غزوات قوتنا وحصار دولي دام سنين عجافا وحرب دامت أكثر من عقد من الزمن مع جارتنا المسلمة اللدودة، وهي تقارب ضعف أيام الحرب العالمية الثانية، بل يحصد علماؤنا عدد القنابل التي سقطت على مدننا مجتمعة ليقولوا إنها تعادل سبع أو ثماني قنابل نووية. كالتي سقطت على هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين، وأن اليورانيوم الذي أستقر في أرضنا من جرائها تسبب بكوارث غير منظورة حتى اليوم تهدد الحرث والنسل. ويحصي العراقيون الغزوات والحملات والاحتلالات المتعاقبة على بلدهم دون توقف، فأضحت للجميع مادة يتحدثون فيها في مجالسهم، وقصائدهم دون انقطاع أو توقف، دون أن يسألوا عن جدوى هذه الحصيلة الدوامة، التي يتمتع بها شعب وتاريخ عراقي مجيد، بماذا أفادته، ما هي المخرجات والدروس التي أستخلصها من كل ذلك، وهل هي مجرد وشم حضاري يميزهم عن غيرهم يفخرون ويفاخرون به في كل زمان وأوان؟ المهم من يبقى في آخر الصورة أو المشهد، كما قال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين أمام حشد من الإعلاميين ذات مرة، والمشهد هو كالتالي: بلد ممزق، يوشك أن ينقسم، سراق وعصابات دولية وجدت فيه بنكا لا ينضب للسرقة واللصوصية، حرب وانقسام مجتمعي لم يشهد من قبل، تدني وانحدار قيمي وتعليمي مريع، انزواء العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات والتربويين أمام مجتمع حجّرهم، فساد أغلب المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وسيادة الميليشيات، ضياع الموارد في مشاريع وهمية وفقدان المليارات، تصحّر مخيف يهدد طبيعة البلاد والعباد، طبقة سياسية لا يهمها حاضر أو مستقبل البلاد، صرنا في الدرك الأسفل في العيش والفساد وهروب الملايين عن الوطن المبتلى، جلّهم من الكفاءات التي أغدقت عليهم الدولة ميزانيات هائلة على مدى عقود، توقف الإعمار والبناء، وسيادة مجتمع استهلاكي. صباح ناهي
مشاركة :