"الشورجة" سوق الأزمنة العراقية بقلم: صباح ناهي

  • 11/30/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في الشورجة تضجّ الحياة من لحظات الضياء الأول حتى آخر المساء، حين ينسل إلى أزقتها المتشعبة المئات من الباعة والتجار والحمّالين والمتبضّعين.العرب صباح ناهي [نُشر في 2017/11/30، العدد: 10828، ص(24)] كيف تحوّل اسم أشهر سوق في بغداد من “سوق الرياحين” إلى “سوق الشورجة”؟ أي المكان المالح أو بئر الملح على حد وصف المؤرخ البغدادي جلال الحنفي إمام جامع الخلفاء قبالة السوق، لكن يعارضه في ذلك، المؤرخ سالم الألوسي الذي يؤكد أن “أصل كلمة الشورجة جاءت من (الشبرج) وهو دهن السمسم إذ كانت في السوق معاصر خاصة للسمسم، والاسم ينسب إلى الشبرجة أو الشرجة التي حُرفت إلى الشورجة”. ويعود تاريخ هذا السوق الرئيسي في بغداد، إلى أواخر الفترة العباسية، تميّزه مئذنة جامع الخلفاء التي بناها ابن هولاكو، في القرن الثالث عشر والتي طوّرت مرارا وكان أخرها منجز المعماري محمد مكية لهذا الجامع ذي الطراز العباسي بريازته المميزة. في الشورجة تضجّ الحياة من لحظات الضياء الأول حتى آخر المساء، حين ينسل إلى أزقتها المتشعبة المئات من الباعة والتجار والحمّالين، والمتبضّعين الذين باتوا في الخانات والفنادق القديمة “مسافر خانة” ليلة أمس يترقبون نهارا جديدا على الشورجة، بعد أن تقاطرت عليها سيارات الحمل من كل حدب وصوب لتفرغ بضائعها، وتوزع على تفرعات السوق ومخازنه بشتى الوسائل على ظهور الحمّالين، وبواسطة العربات الخشبية والحديدية والبغال التي تعرف طرقها حيث تنزل بضائعها من دون عناء اقتيادها. حتى تبدو الحياة فيها سمن على عسل على توابل وألوان وأفرشة ومؤنة بألوان وأشكال شتى منحت السوق بهجته وروائح زكية، يدلف إليها الناس للتبضع والتمتع من منفذي شارعي الرشيد والجمهوري. وما يلفت في الشورجة أن الباعة فيها احترفوا المكوث والعيش ومعرفة بعضهم بعضا، من عقود وتكرّست ثقافة وأعراف في حياة السوق لا تقبل الإنكار والتدليس لتكون كلمة التاجر هي الفصل في البيع والشراء حتى وإن جاء أخر وأعطى مبلغا مضاعفا لبضاعته يعتذر ويقول “مباعة” حتى قُبيل استلام أجرها وبضاعته مازالت بحوزته. إنها اختبار ليس لكفاءة التجار والباعة بل لقيمة الكلمة التي تخرج من فم البائع إلى المشتري قبل السداد، لذلك تميزت حكايات تجار الشورجة بقيمة ودلالة تعاملهم مع زبائنهم والتجار الكبار دأبوا يعلمون التجار الصغار سر المهنة بالرزق الحلال، والسمعة الطيبة فذهبت مثلا حكايات تجار الشورجة الأصليين في صدقهم، حين يضعون أصابعهم على شواربهم ويقطعون السعر لا تزحزحه كل مغريات الدنيا. لقد نال الزمن العراقي بعيد الاحتلال ما نال الحياة كلها وللشورجة نصيب، لدخول طارئين عليها، أحرقوها مرات وقالوا “تماس كهربائي” وعاش السوق الكبير خسائر مادية متلاحقة، أشدها ألما ضياع كلمة التاجر التي كانت العملة التي لا تغير وزنها وقيمتها، في زمن فقدان الأوزان والمكايل. صباح ناهي

مشاركة :