الاستباحة وممارستها في السياسة الاستباحة في المفهوم السياسي لا تختلف عن مفهومها بالاصطلاح وفي اللغة. فالاستباحة تعني استحلال الشيء، من خلال مقدمات وشروط يراد منها تسويغ وتجويز ورفع الحرمة عن الفعل المعين. ويقال استباح الشيء أي انتهبه. وفي الحديث «لا تسلط عليهم عدداً من غيرهم فيستبيح بيضتهم»، أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم. شهدت الساحة السياسية في العقدين الآخرين بشكل واضح نوعاً من الاستباحة ونعني بها التعدي على الثوابت والقيم والأصول تحت حجج وذرائع عديدة، منها دعوى الحريات وعدم الحجر على الآراء، ومنها أحياناً الدفاع عن حقوق الأقليات وحقوق الإنسان، ومنها وجود المعارضة وحرية النقد. وللأسف الشديد أحياناً تحت دعوى التغيير، وهو شعار لا يزال يحمله الإسلاميون السياسيون منهم، ويرهبون الناس ويتوعدونهم بأنه قادم لا محالة ولكنهم لا يعرفون ماهيته؟ ولا من أين يأتي؟ ولا نهايته وثمرته؟ فهم بالتالي يقومون بدور المعلق الرياضي الذي يصف المباراة وهو من خارجها! والاستباحة في عالمنا الإسلامي وواقعنا السياسي، أوسع انتشاراً من المحافظة على الثوابت. أنواع الاستباحة الاستباحة في العقيدة ونعني بها نواقض الإسلام التي ذكرها العلماء، وهي كثيرة، ولشدة خطورتها أفردها العلماء بمؤلفاتهم، وهذه لا فرق فيها بين الهازل والجاد والجاهل، ولشدة خطورتها وضحها العلماء ليحذرها الناس، ومنها على سبيل المثال الاستهزاء بالدين والسخرية من شعائره. وها هي مصر تتجه لتشريع يجرم الاساءة لرموز الازهر ولباسهم. ومن الاستباحة أيضاً ما نشهده في الساحة السياسية اليوم بحجة التغيير المزعوم من الثورات والانقلابات وقتل المسلمين الأبرياء والتعدي عليهم بالأقوال والأفعال وانتهاك أعراضهم وأخذ أموالهم أو سجنهم وحبسهم وتعذيبهم. كل هذا يحصل في الساحة السياسية بحجة ممارسة الديموقراطية وطريقة الوصول إليها! ومن الاستباحة التربوية أيضاً ما نجده من الأبناء تجاه والديهم مثل عقوق الوالدين، فهذا يمارس عندنا اليوم بحجج واهية مؤداها حجة اختلاف الزمان و تربية الأبناء على التفكير الحر القائم على النقد! وبحجة حرية الأبناء في اختيار نوع الحياة التي يرغبون بها، وهذه للأسف يروجها الإسلاميون السياسيون وبعض التربويين المتأثرين بالثقافة الأوروبية، وانخرست ألسن السياسيين عنها؟ وكانت النتيجة لهذا الانفلات ارتفاع معدلات الجريمة والعنف بين الشباب! والاستباحة وجدناها في الأطعمة والأشربة واللباس، حيث جاءت الشريعة المطهرة بتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، وكذلك تحريم لبس الذهب والحرير على الرجل ولكننا وجدنا استباحة وتعديا من الحلال إلى الحرام ولم نسمع من السياسيين إلاّ أن هذا من الحريات الشخصية التي يجب أن يطلق لها العنان. والاستباحة وجدناها في الأحوال الشخصية والمدنية، مثل أكل أموال الناس بالباطل والرشوة وشهادة الزور. والاستباحة وجدناها بالقذف والاتهام بالباطل والتطاول على ولاة الأمور، كل ذلك تحت حجج السياسيين بوجود معارضة وعصر تنوير يمارس فيه الناس صلاحياتهم؟ محرمات الإسلام مباحات في فضاء السياسة، سنجدها في قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الأنعام 151-153 فأين هذه المحرمات في القاموس السياسي؟
مشاركة :