طهران/اسطنبول - يرسم التقارب التركي الإيراني ملامح خارطة تحالفات جديدة في المنطقة قد تتغير معها معادلة الصراع في سوريا، بينما تتجه أنقرة في الوقت ذاته إلى تقارب مع العراق على خلفية استفتاء الانفصال بعد أن كانت على خلاف عميق مع الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة على خلفية التواجد العسكري التركي في مناطق قريبة من الموصل في الفترة التي سبقت أكبر حملة عسكرية لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من أبرز معاقله بالعراق. وتمكنت القوات العراقية بدعم من قوات التحالف الدولي ومشاركة ميليشيات الحشد الشعبي التي تشرف عليها طهران وقوات البشمركة الكردية من هزيمة التنظيم المتشدد في الموصل بعد أكثر من ثمانية أشهر من المواجهات. ويأتي التقارب التركي مع كل من إيران والعراق ضمن معادلة جديدة عنوانها التصدي للنزعة الانفصالية المتنامية للأكراد والتي تهدد أمن الدول الثلاث وتنذر باتساع دائرة الصدام، بينما تبقى سوريا أيضا في قلب هذه المعادلة ضمن تحالف المصلحة الذي قد يجر أنقرة من عداء النظام السوري إلى التطبيع معه أو على الاقل التوقف عن انتقاده. وخففت تركيا من مهاجمتها للرئيس السوري بشار الاسد بعد أن كانت تتهمه بارتكاب جرائم حرب وبعد دعوات للإطاحة به. وحشدت أنقرة المزيد من القوات على حدودها السورية التركية كما عززت قواتها المتواجدة في شمال سوريا لمواجهة تمدد قوات وحدات حماية الشعب الكردية. كما أجرت مناورات مشتركة مع القوات العراقية قرب كردستان العراق ضمن اجراءات استعراض للقوة على تخوم الاقليم واتخذت سلسلة اجراءات عقابية لدعم بغداد في مواجهة الانفصال. والثلاثاء بدأت أنقرة مساع لتفكيك تحالف جماعات اسلامية متشددة بينها جبهة تحرير الشام (النصرة سابقا) تعارض الهدنة ومناطق خفض التوتر في سوريا، تمهيدا لنشر قوات مراقبة في ادلب واضعاف أكبر الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تقاتل للإطاحة بالنظام السوري. ويبدو أن أنقرة بدأت تتحرك بشكل براغماتي بتغيير أولوياتها من الاطاحة بالأسد إلى الاصطفاف معه لاحقا في التوقيت المناسب في مواجهة أكراد سوريا المدعومين أميركيا والذين شكلوا ادارة ذاتية ويطمحون لتأسيس كيان كردي مستقل بجيش شبه نظامي يفوق عدده 100 ألف جندي. وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا والتي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية وتقترب من تحقيق نصر استراتيجي بالسيطرة على الرقة العاصمة الادارية ومقر قيادة التنظيم المتطرف. ولا يخفي أكراد سوريا طموحهم بتوسيع مناطق ادارتهم الذاتية لتشمل الرقة، لكن باشراك الفصائل العربية التي تقاتل معهم في ادارة مناطق الحكم الذاتي. وسبق لدمشق أن أكدت أنها لن تفرط في شبر واحد من الأراضي السورية وأنها لن تسمح بتقسيم سوريا إلى كيانات، في اشارة إلى رغبة الأكراد في تأسيس كيان مستقل. وفي الاتجاه ذاته هددت تركيا بالتدخل عسكريا بشكل فردي لمنع قيام كيان كردي على حدودها لتلتقي في تهديداتها في جبهة واحدة مع النظام السوري. وتشكل كل من روسيا وإيران حاليا حلقة الوصل في خضم خارطة التحالفات الجديدة التي بدأت ملامحها تظهر في الأفق من بوابة التقاء المصالح في كل من سوريا والعراق. وتلتقي دول الجوار الأربعة في كبح النزعة الانفصالية التي تتشكل في حزام ممتد من أجزاء من شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا. ويطرح التقارب التركي مع إيران والعراق وقبلها مع روسيا سؤالا ملحا حول ما اذا كانت أنقرة على استعداد لتغيير تحالفاتها القائمة مع جماعات اسلامية متشددة تقاتل في سوريا طالما تلقت دعما سخيا بالمال والسلاح. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد واجه مرارا اتهامات بدعم وتمويل وتسليح تلك الجماعات للإطاحة بالنظام السوري. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء إن تركيا ستتخذ خطوات أقوى ردا على استفتاء أكراد العراق الأسبوع الماضي وذلك بعد أن اتخذت بالفعل بعض الإجراءات بالتنسيق مع الحكومة العراقية المركزية وإيران. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني حسن روحاني نقله التلفزيون التركي على الهواء مباشرة قال أردوغان إن الاستفتاء يفتقر إلى الشرعية ولم تعترف به سوى إسرائيل. وأشار إلى أن زيادة حجم التجارة بين تركيا وإيران من 10 إلى 30 مليار دولار لا تزال على جدول الأعمال وأن التجارة بين البلدين ستكون بالعملتين التركية والإيرانية للحد من ضغوط العملات الأجنبية. وقال روحاني بدوره إن طهران وأنقرة ستعملان لمواجهة تفكك العراق وسوريا لتهدئة التوتر في المنطقة. وأضاف في مؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس التركي "نريد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط... استفتاء استقلال كردستان العراق مؤامرة انفصالية تقف وراءها دول أجنبية وتعارضها أنقرة وطهران". وتقف تركيا وإيران على طرفي نقيض من ملفي العراق وسوريا، إلا أن استفتاء انفصال كردستان وتنامي النزعة الانفصالية لدى الأكراد عموما وتعاظم نفوذ أكراد سوريا، سرّع خطوات التقارب بين البلدين في خطوة قد تفتح أبواب التقارب بين أنقرة ودمشق. وأنقرة وطهران إلى جانب موسكو هي الدول الضامنة لاتفاق وقف اطلاق النار والتهدئة في سوريا التي توصلت إليها الأطراف المشاركة في محادثات استانا. وتدعم إيران النظام السوري بالمال والسلاح والمقاتلين كما تقاتل ميليشيات عراقية شيعية مسلحة موالية لها إلى جانب القوات العراقية تنظيم الدولة الاسلامية، بينما تدعم تركيا فصائل سورية تسعى للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
مشاركة :