أجرى الحوار جاسم عباس | الحنين إلى الايام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط، أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها.. في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه، تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال. الكتابة عن تاريخ السينما في الكويت تحتاج الى صفحات وحلقات، فهو تاريخ مشوّق يبدأ من ثلاثينات القرن الماضي، هناك شخصيات عاصرت تلك الفترة من تاريخ السينما، منهم من رحل ومنهم ما زال على قيد الحياة، أطال الله في أعمارهم. حول هذا الموضوع قمت بعدة لقاءات، وقرأت عدة مراجع، وسمعت العديد من الروايات، وفي ما يلي محطات من تاريخ السينما، وما شهدته من تطورات: أول جهاز للسينما دخل الكويت كان عام 1936 أحضره عزت جعفر، ووضع في قصر دسمان، وكان يدير الأفلام عبر هذا الجهاز السيد محمد عمر ومحمد البغدادي، الذي يصلح الأشرطة المقطوعة ويرقّعها، وذات مرة سقطت من يده «السيكارة» (سيجارة) فأحرقت الافلام، كما ينقل عبدالله الحاتم في كتابه «من هنا بدأت الكويت». بعد ذلك عرضت الافلام في ساحة الصفاة عن طريق شركة نفط الكويت، وكذلك عرض فيلم في قصر خزعل في حي الوسط بين شرق وقبلة في بيت عربي، من دورين اشتراه مؤخرا سليمان المسلم، وانتشر عرض الافلام في أغلب البيوت، كانت تستأجر من الشركات المتخصصة، خاصة بيوت الاثرياء، كان الشباب يتهافتون عليها ليلا، ويقطعون مسافات بين الأحياء والسكيك الضيقة لمشاهدتها في الهواء الطلق، وأكثر الافلام كانت مصرية. تطور السينما البداية انطلقت من بيت بالإيجار خلف مستشفى الاميري، حوش عربي كبير، جهز بأرضية من الاسمنت وكراسي متحركة، بدأت الافلام تعرض في فصلي الصيف والشتاء، وحوش العرض غطي بـ «طربال» (قماش سميك لا تنفذ منه المياه أثناء نزول الأمطار) وكراسي متحركة، وكان إيجار البيت 44 روبية في السنة الواحدة، أضيفت الى ساحة العرض مطاعم لتقديم الوجبات السريعة، من هذه البداية عام 1954 سميت دار سينما الشرقية، وبعد نجاح هذه التجربة، وعرض أول فيلم «أغلى من عينيه»، بطولة الفنانة سميرة أحمد، وفي الشرقية حوالي 1800 مقعد، تجربة ناجحة، وكل يوم إثنين خصص للنساء فقط، ولا تمنع من الحضور، وتذاكر الدخول لم تكن «منمرة» (مرقمة) مع قليل من الفوضى حول شباك التذاكر، والعراك حول الكراسي، ولكن هؤلاء لن ينسوا استقطاع جزء من سعر التذكرة لإخواننا في الجزائر وفلسطين (عمل خيري). وبعد النجاح الباهر فكّر المهتمون بتطوير السينما واشتروا قطعتين من الارض؛ واحدة من الشيخ عبدالله الجابر الصباح في شرق الديرة، التي أصبحت سينما الحمراء والفردوس، والأرض الثانية في منطقة حولي من أحد افراد عائلة الحمد، والتي أصبحت سينما حولي الصيفي وسينما الأندلس، وأما الفردوس فلعرض الافلام الهندية لوجود مجموعة كبيرة من الجالية الهندية في الكويت، ومن عام 1954 حتى الستينات استمرت دور السينما بعملها الجبار القوي، حيث كانت جذابة وواسعة لاستقطاب رواد السينما، فسينما الأندلس بها 1900 كرسي، واستخدمت صالتها لحفلات أم كلثوم وفريد الأطرش وللترويج السياحي. الخطوة الثانية قال أحد المهتمين بالسينما: طلب المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح من شركة السينما الكويتية انشاء سينما للسيارات، فتم انشاء سينما على الدائري السادس، وهذه نقلة جديدة في عالم السينما في الكويت نجحت وجذبت كثيراً من المشاهدين، خاصة المملكة العربية السعودية، وهنا حصلت مشكلة وهي ان السعوديين يأتون بسيارات كبيرة لمشاهدة الفيلم فتغطي على الصغيرة، فقامت الشركة بوضع أماكن لهذه السيارات حوالي ستين موقفا للمشاهدة. ومن ثم طلب الشيخ جابر الأحمد الصباح من أحد أعضاء شركة السينما إقامة سينما للسيارات في مدينتي الأحمدي والجهراء، والبلدية عينت مواقع خاصة، وتم البناء في الفحيحيل، ولكن السينما فشلت فشلا ذريعا لعدم الحضور، ولم يعرف السبب، توقفنا عن البناء في مدينة الجهراء، وبعد لقاء مع الشيخ جابر الأحمد الصباح قال له أحد الأعضاء في الشركة إن خسارتنا في الفحيحيل كثيرة وكبيرة في الأموال، فردَّ المغفور له الشيخ جابر الأحمد: لا داعي لبناء السينما، ولا نحن نريد خسارة مع خسارة وإيجار الأراضي والأماكن من الحكومة. وقال أحد الإخوان المهتمين بشؤون السينما: بعد التحرير تطورت دور السينما بدلا من وضع الكراسي في كل سينما تمت زيادتها من مئة الى مئتين وخمسين كرسيا، وبدل أن نفتح داراً واحدة، فتحنا عدة دور للسينما؛ أي حوالي 6 دور سينما. البداية في مجمع فنار في السالمية، بعد الاتصال مع جاسم المرزوق، وكان متعاونا الى أبعد الحدود، ووُقِّع معه عقد من دون أن يحدد الإيجار، المهم أن تكون سينما في المجمع لجذب الناس، وسينما فنار أول دار بأعداد قليلة من الكراسي، وكانت نظيفة ومرتّبة ومريحة، فرنسية الصنع، ونجحت نجاحا كبيرا، ومن ثم سينما في سوق شرق، أقمنا 3 دور للسينما؛ بمعدل 200 كرسي للواحدة، ونجحت الفكرة بمساعدة شركة إيطالية، والتي قامت بتجهيز وتركيب الشاشات والسماعات والأجهزة المتطورة، وقمنا نحن في الكويت فقط بتجهيز المبنى، وكانت تكلفة سينما سوق شرق مليون دولار، وبعد ذلك جاءت أياد شبابية كفوءة تسلمت شركة السينما، وزاد التطور. وأضاف: وبعد خمسين سنة من انتهاء امتياز الشركة أصبحت من أكبر الشركات العقارية في الكويت، عندها 12 ألف متر في أحسن موقع في الحمراء والفردوس، و40 ألف متر في حولي، موقع الأندلس وحولي الصيفي سعر الارض ملايين الدنانير، بسبب فطنة وبُعد نظر الأعضاء السابقين في الشركة. وأكثر الأفلام راجت في الكويت فيلم «تايتنيك» حضورا وماديا، استأجرنا الفيلم بــ 40 ألف دولار، حصلنا على 400 ألف دينار، والفيلم كان من نسخة واحدة، والعرض في 4 سينمات، يقوم أحد العاملين بنقل شريط الفيديو بواسطة دراجته النارية، ينقله الى دار ثانية وثالثة ورابعة، وإذا تأخّر نقوم بعمل استراحة للمشاهدين، وألغيت سينما السيارات؛ بسبب قربها من المباني السكنية، خاصة على الدائري السادس ومجمع الوزارات عبارة عن 30 متراً، والآن قيمتها بالملايين عليها مجمع 360 المشهور، وتم بناء جزء من الأرض فلل، وزعت الأسهم على المساهمين، وشركة السينما دخلت سوق المناخ والبورصة، ولم تتأثر بالخسارة التي حصلت، و%90 من دور السينما في الكويت تابعة لشركة السينما الكويتية. قصة الشرقية وتحدث أحد رواد السينما الشرقية، فقال: كانت سينما الشرقية هي ملتقانا وتجمعنا ووناستنا، وافتتحت عام 1954، وأول فيلم عرض «أعلى من عينيه»، بطولة سميرة أحمد، وكان العرض بعد المغرب، والحفلة الثانية بعد العشاء. وكما قالوا رواد الشرقية: سعر التذكرة «12 آنة»، في المقدمة والكراسي من دون إسناد خلفي، والصف الوسطي (روبية ونصف الروبية) كانت الكراسي من الحديد، وأما الكراسي الخلفية فكانت واسعة بــ 2 1/2 روبية، والحجز كان من دون طابور، لأن نظام القوي هو الذي يحصل أولاً، ونحن عندنا صديق رياضي، جسمه قوي وشجاع، كنا نحمله على أكتافنا ونضعه فوق الطابور، وشاهدنا الدشاديش تتمزّق من شدة الازدحام، ولا ننسى الفيلم الهندي اسمه «آن»، حصلنا على التذاكر بصعوبة، والتسلية لا توصف، والأفلام التي تعرض كلها متفوقة على مستوى العالم، والفيلم الذي لا ننساه «ارحم دموعي»، عُرض 1956، وفي عام 1957 عُرض فيلم «جعلوني مجرما»، وأغلب هذه الافلام تُعرض في رأس السنة. الشقاوة وتذكروا شقاوتهم، خاصة عند حجز الكراسي من دون أرقام، يدخل أحدنا ويربط الكراسي بعددنا بــ «الغتر»، أو حبل، كان معنا؛ حتى لا يجلس معنا أي غريب، وإذا حصل أي خلل في شريط الفيلم نسمع الصراخ والصفارات من الفم، وأحيانا حذف الزجاجات على الشاشة، وإذا احترقت لمبة الجهاز حصلت مصيبة، والويل من رمي السجاير على بعضنا وحذف الطويسات (غطاء الزجاجات). ومن الطرائف والشقاوة عندما يقوم الممثل محمود المليجي بضرب فريد شوقي نسمع صراخ الناس «لو فيك خير روح له في فيلم رصيف نمرة خمسة». أوائل الأفلام ــــ أول فيلم تسجيلي صُوِّر عام 1939 عن الغوص واللؤلؤ، قام بتصويره البحري الاسترالي ألن فلبيرز. ــــ عام 1946 فيلم عن ضخ النفط من ميناء الأحمدي. ــــ أول فيلم كويتي طويل «بس يا بحر» عام 1965 للمخرج خالد الصديق. ــــ أول فيلم درامي كويتي «العاصفة»، أخرجه محمد السنعوسي. ــــ في عام 1950 تأسست أقسام السينما والتصوير، وأنتجت 60 فيلما في دائرة المعارف. شركة السينما ــــ تأسست عام 1954 برأسمال 1.635.262.500 روبية، ورأسمال أساسي 654.105.0 روبيات. ــــ أصبحت السينما في الكويت سمة بارزة، واكتسبت أهميتها بسبب النهضة التي تعيشها الكويت، وبسبب وعي الأخوة الذين أداروا الشركة. ــــ لا سينما من دون أدب، ولا سينما من دون نصوص. ــــ الأولون من أهل الكويت عرفوا أن الافلام مصدر ثقافي ومعرفة تاريخ الأوائل. ــــ الأفلام ساهمت في شهرة الكتب.
مشاركة :