سبق لي أن كتبت عن فساد المجتمع، وتحدثت عن حالة الفساد التي أصبحنا، كمواطنين، جزءاً منها، إما بتقبلنا لها كواقع نعيشه أو لممارساتنا الفاسدة وإما لصمتنا عنها. لفت انتباهي مقال للزميل العزيز الدكتور تركي العازمي بعنوان " الفوضى محصلة الاستعباط"، ولأنني أعرف "أبوعبدالله" جيداً وأعرف أخلاقه وحسن أدبه، أستبدل كلمة فساد بكلمة "استعباط" للتخفيف عن مجتمع أصبح الفساد ثقافة له، وأصبح هناك استعباط بتجاهل هذا الفساد أو ممارسته كشطارة ووسيلة لتحقيق مصلحة شخصية، الأمر الذي جعل الفساد في مجتمعنا صفة حميدة تحقق لممارسها المصلحة على حساب المصلحة الوطنية، الأمر الذي جعلنا نعيش حالة الفوضى "العبيطة" الذي ذكرها الزميل، فكل حالات الاستعباط التي ذكرت في مقاله هي في حقيقتها فساد. فوجود جامعة وحيدة بدولة تبني الجامعات بدول أخرى، بينما أبناؤها ينتظرون جامعة الشدادية منذ عام ١٩٨٦ حتى يومنا هذا، هو نوع من أنواع الفساد، الذي يستعبطون به ليبرروا فسادهم لنا، وعدم وجود سرير بمستشفى ومواعيد لعدة أشهر لمواطن مريض بدولة سكانها لا يتجاوز 1.5 مليون، وغنية، بل تبني المستشفيات للآخرين هو نوع من الفساد، وطوابير الخريجين الباحثين عن عمل ينتظرون سنوات حتى يحصلوا على وظيفة في بلد حكومته تعين الوافدين بدوائرها هو نوع من الفساد لا الاستعباط، وانتظار المواطن أكثر من عشرين سنة ليحصل على سكن ملائم وأكثر من ٨٠ في المئة من أراضي الدولة عبارة عن صحراء خاوية هو نوع من الفساد، والازدحام المروري الخانق بسبب سوء الإدارة والتنفيع ليس عبطاً بل فساد قبيح ومتعمد، وفشل التعليم والتنمية هو فساد لا استعباط، وقس على ذلك. يعني بالعربي المشرمح: نعم هناك استعباط يا صديقي، ولكنه نتيجة الفساد المنتشر في كل زوايا الوطن، مما جعل المجتمع ثلثاً فاسداً وثلثاً يستعبط وثلثاً يقاوم مؤسسة الفساد التي تسببت في كل الحالات التي ذكرتها في مقالك الرائع، ومن الصعب أن يكون كل هذا الفساد بالاستعباط، لانه ممنهج ومنظم بصورة مخيفة، فتقبل استعباطي في هذا المقال المتواضع.
مشاركة :