كان المشهد مألوفا للغاية، لقد اجتمع أعضاء من الفصيلين المتصارعين («فتح» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس») في مكان واحد، وتبادلوا الابتسامات وهم يتصافحون أمام حشد من الصحافيين، وبحضور ممثلين عن الدولة الوسيطة. وبالفعل توصل الفريقان إلى اتفاق تم توقيعه أخيراً، لوضع نهاية للشرخ السياسي الذي طال أمده، وفتح الباب أمام المصالحة والوحدة الفلسطينية، لكن ذلك لم يكن للمرة الأولى. • حصار بات رئيس السلطة الفلسطينية، الآن، محاصراً من قبل خصمه السياسي، دحلان، في حين استفادت حركة «حماس» بدعم مالي وشيك، فضلاً عن علاقات ودية متجددة مع القاهرة. ومع كسب «حماس» للقوة والنفوذ، ومع حلّ اللجنة الإدارية في القطاع، اضطر عباس إلى التحرك. لقد تم التحرك الآن، لكن المصالحة بعيدة كل البعد عن المؤكد، هل يمكن أن تكون «حماس» و«فتح» يائستين في نهاية المطاف لدرجة تقديم تنازلات حقيقية لبعضهما بعضاً، ووضع سنوات من الخلاف وراءهما؟ وحتى لو فعلتا ذلك، فإن إسرائيل قد لا تسمح لهذه الحكومة بالعمل. وقد رأى الفلسطينيون هذه المشاهد من قبل، ومن غير المرجح أن يكون ما تغير كافياً لجعل الفيلم ينتهي بشكل مختلف. • يواجه عباس أزمة المساءلة والشرعية لأنه لايزال رئيس السلطة الفلسطينية، بعد ست سنوات من انتهاء ولايته، ويقول ثلثا الفلسطينيين إنهم يرغبون في استقالته. على مدى العقد الماضي، تم التوقيع على العديد من اتفاقات المصالحة بين الفصيلين، وكان التوتر في العلاقات على أشده، منذ تولي حركة «حماس» السلطة في قطاع غزة بعد فوزها الانتخابي في عام 2006. هذه المرة تقدم الرجال الأكبر سناً، بشكل ملحوظ، وتغيرت قيادة «حماس» لتشمل كبار القادة من ذراعها المسلحة. لكن هذا الفيلم شاهده الفلسطينيون من قبل. تم التوقيع على الاتفاق، في الماضي، لكن لم ينفذ على أرض الواقع، حتى مع حكومة الوحدة التكنوقراطية، في 2014، المعينة من قبل الحركتين، والمؤلفة من أعضاء غير منتسبين لهما سياسياً، كان الطرفان ببساطة غير راغبين في التخلي عن سلطتهما، ونتيجة لذلك، تقلد الوزراء مناصب شرفية إلى حد كبير. وحتى الآن، كان ميثاق الوحدة الجديد رمزياً في طبيعته، ولايزال يتعين حل العديد من القضايا. وقد صرح الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بأنه لن يوافق على «نموذج حزب الله» في الأراضي الفلسطينية، وهذا يعني أن «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» يجب أن تتخلى عن أسلحتها، وتسمح لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على قطاع غزة، بما في ذلك معابرها الحدودية، أو أن يتم دمج الكتائب في جهاز الأمن الفلسطيني. دعم التنسيق الأمني في مناسبات عدة، أعرب عباس عن دعمه الثابت للحفاظ على التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، وهو الوضع الراهن الذي من غير المرجح أن تقبله «حماس». كما يدرك عباس أن الحكم الذاتي المحدود للسلطة الفلسطينية، يقوم على موافقة إسرائيل، وعلى الدعم المالي من المجتمع الدولي، الذي يعتبر «حماس» جماعة إرهابية. وفي نموذجها الحالي من الصعب رؤية آلية تمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية، التي تضم حركة «حماس»، ما لم يتخذ التنظيم الإسلامي بعض التدابير الصارمة، مثل فصل جناحه المسلح رسمياً عن الحزب السياسي. كما أن استقبال إسرائيل الحذر لاتفاق الوحدة الأخير أمر يدعو للقلق أيضاً. وكان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد أوضح بالفعل أنه في ظل أي اتفاق للمصالحة، يتوقع أن تعترف «حماس» بإسرائيل وتنزع أسلحتها، وهي شروط أكدتها لجنة الوساطة الرباعية في الشرق الأوسط، التي تضم روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومن المرجح أن تنظر «حماس» إلى هذه الشروط المسبقة باعتبارها حكماً بالإعدام. والتخلي عن وسائل الدفاع الوحيدة، ومواصلة تعديل ميثاقها، من شأنهما ببساطة أن يضعفا سلطتها وشرعيتها، ويهددا بحدوث انقسامات داخلية. جمود سياسي بالنظر إلى الكثير من المضاعفات، والجمود السياسي بين الفلسطينيين بوجه عام، فإن السرعة التي تم بها التوقيع على الاتفاق الأوّلي أمر مثير للانتباه. وكانت السلطة الفلسطينية قد اتهمت «حماس»، في مارس الماضي، بإقامة «حكومة ظل» بعد أن شكلت ما يسمى باللجنة الإدارية التي تحكم قطاع غزة. وشطب عباس رواتب الموظفين المدنيين العاملين في غزة، الذين كانوا يعملون لدى السلطة الفلسطينية قبل تولي «حماس» السلطة. وأوقف المدفوعات لإسرائيل نظير حصول القطاع الساحلي على الكهرباء، وسحب التمويل للجهات الطبية في غزة. وقد غرقت غزة في الظلام، إذ يعيش الناس على نحو ساعتين من الكهرباء يومياً. كما أن مياه الصرف الصحي، التي لم يتم علاجها، تلقى في البحر، وفي هذا الصدد حذرت الأمم المتحدة من أنه إذا استمرت الأوضاع في الانزلاق، فإن غزة يمكن أن تكون «غير قابلة للعيش» في غضون سنوات قليلة فقط. شائعات وفي الوقت نفسه، بدأت الأوساط الفلسطينية تناقل شائعات بأن «حماس» عملت على صفقة مع رئيس الأمن السابق في غزة، محمد دحلان، الذي كان مقرباً من عباس، ثم تحول إلى عدو لدود له. وقد تم توقيع اتفاق في يونيو الماضي بين قادة الحركة ودحلان، الذي وعد بفتح معبر رفح وجلب المساعدات. وبعد شهرين أعلنت «حماس» عن تأييدها لإجراء الانتخابات، وحل اللجنة الإدارية التابعة لها، ما يمهد الطريق أمام السلطة الفلسطينية لتولي مهامها في غزة. وخلال الأيام الماضية، ترأس رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمدالله، أول اجتماع لمجلس الوزراء في غزة. وكل هذه السرعة تشير إلى عامل رئيس يسهم في اعتماد الصفقة المفاجئ: «يأس حماس» و«ضعف فتح». وقد تركت ثلاث حروب، والحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، الفلسطينيين هناك في ضائقة اقتصادية وإنسانية خانقة. ولم يتبقَّ لدى «حماس» سوى عدد قليل من الحلفاء الإقليميين. نتائج ملموسة إلى ذلك، لم يسفر التزام عباس بعملية السلام لحل الدولتين عن نتائج ملموسة، سوى عدد قليل من الانتصارات في مختلف الهيئات الدولية، خصوصاً قبول فلسطين لتصبح مراقباً غير عضو في الأمم المتحدة. ومنذ تسعينات القرن الماضي، عندما وقّع الفلسطينيون اتفاق أوسلو مع إسرائيل، انتشرت المستوطنات في الضفة الغربية، حيث تحولت السلطة الفلسطينية إلى شبكة محسوبية وبيروقراطية متضخمة، تعتمد عليها شريحة واسعة من السكان الفلسطينيين من أجل عيشهم. ويواجه عباس أيضاً أزمة المساءلة والشرعية لأنه لايزال رئيس السلطة الفلسطينية، بعد ست سنوات من انتهاء ولايته. ويقول ثلثا الفلسطينيين إنهم يرغبون في استقالته، وتوسعت عمليات القمع في الضفة الغربية، لتشمل الصحافيين والمعارضين السياسيين، وحتى أولئك الذين ينشرون انتقادهم على وسائل الإعلام الاجتماعية. حلّ السلطة نصف الفلسطينيين تقريباً يريدون حل السلطة الفلسطينية نفسها، إذ باتت في نظر الكثيرين كياناً مختلاً يعتمد اعتماداً كلياً على المساعدات الخارجية ويخضع لضوابط إسرائيلية، وذلك بعد أن كانت وسيلة لإقامة الدولة الفلسطينية. والواقع أن الفلسطينيين العاديين لايزالون يشعرون بالاحتلال الإسرائيلي في جميع جوانب الحياة تقريباً، بما في ذلك قدرتهم على التحرك بحرية على أراضيهم. والقيادة الفلسطينية، وإن كانت بعيدة إلى حد كبير عن الإهانات اليومية للاحتلال، أدركت أنها بحاجة إلى فوز ما لتعزيز الدعم الشعبي. وفي مواجهة هذا الرفض العام الواسع النطاق، كان على «حماس» و«فتح» اتخاذ إجراءات على أرض الواقع. في قطاع غزة المعزول وعلى شفا كارثة إنسانية، تحركت الحركة الإسلامية أولاً، وغيرت ميثاقها لكي تنأى بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين، وكسب ود مصر مرة أخرى. وأعربت الحركة عن تأييدها لفكرة قيام دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، وهو ما يعني ضمناً تأييداً لحل الدولتين، والدولة الأخرى هي إسرائيل. كما عززت «حماس» علاقاتها مع دحلان، وهي الخطوة التي دفعت عباس في النهاية إلى الزاوية.
مشاركة :