ترامب والإعلام.. معركة قديمة متجددة

  • 10/16/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عاصم عبد الخالق ربما لم يشهد التاريخ الأمريكي هذا المستوى من العلاقات المأزومة بين رئيس الجمهورية ووسائل الإعلام على النحو الذي يحدث حالياً. الرئيس دونالد ترامب والصحافة الأمريكية يعيشان حرباً لا تتوقف. لا تكاد إحدى جولاتها تنتهي حتى تشتعل أخرى. ما بينهما ليس اختلافاً في وجهات النظر أو تبايناً في المواقف لكنه خصومه حقيقية تصل إلى درجة العداء أحياناً. منذ انطلاق السباق لانتخابات الرئاسة بدأ الصدام مبكراً بين الصحافة وترامب المرشح المغمور القادم من عالم التجارة والمال إلى معترك الحياة السياسية بلا خبرة ولا ظهير حزبي أو قاعدة جماهيرية، اللهم إلا من يعرفونه بحكم شهرته كمليونير ونجم في عروض ما يعرف بتلفزيون الواقع. استخف به الإعلام في البداية وهو نفس ما فعله السياسيون الذين اعتبروه مغامراً متهوراً ألقى بنفسه في بحر السياسة متلاطم الأمواج. ثم حدثت المفاجأة وبدأ يكتسح كل منافسيه حتى وصل إلى البيت الأبيض، رغم معاركه العنيفة مع وسائل الإعلام التي ناصبته العداء لأسباب كثيرة. ويوماً بعد آخر أخذت العلاقة بين الجانبين تزداد تدهوراً وتعقيداً. هاجمته الصحافة بقسوة ورد هو بضراوة أشد. استخدم الطرفان كل مفردات قاموس الهجاء الذي يسمح به القانون بل خرجا أحياناً عن النص. وليس من اللائق هنا إعادة ما صدر عنهما. اكتشف ترامب مبكراً أن بيده سلاحاً قوياً لمواجهة سطوة الإعلام التقليدي هو «تويتر». ومن خلال تغريداته التي لا تتوقف تقريباً شرع يكيل الصفعات أو بالأحرى يردها للإعلام. شخصيته العنيدة المقاتلة كانت الشرارة التي أشعلت نيران المعركة. هذا الرجل كما يقولون لا يستطيع أن يعيش بلا معارك ودون شجار أو خصومات. والصحافة وهي مهنة البحث عن المتاعب، وجدت في شخصيته ضالتها المنشودة. ومن غير رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم يمكن أن يكون صيداً ثميناً في مثل هذه المعركة. غير أن ترامب ليس الفريسة السهلة ولا الحمل الوديع. وتأتي ردوده دائماً أكثر حدة وشراسة، ولا تخلو أيضاً من التهديد على نحو ما فعل الأربعاء الماضي عندما المح إلى إلغاء تراخيص محطات تلفزيونية بعد تقرير أغضبه لشبكة «ان بي سي». وفضلاً عن هذا التهديد غير التقليدي من رئيس دولة تفخر باحترامها للحريات وفي مقدمتها حرية الصحافة، فإن ترامب لا يتوقف عن تكرار عبارات مثل «الصحافة تكذب»، «الصحافة لا تحب أمريكا»، «الإعلام عدو الشعب».بدورها تعتبره الصحافة عدواً للحقيقة، وخلال الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «الاندبيندنت» البريطانية إحصاء تضمن 1300 معلومة غير صحيحة أدلى بها ترامب منذ انتخابه. وهناك قوائم مطولة أعدتها وسائل الإعلام الأمريكية بمثل هذه البيانات غير الصحيحة المنسوبة إليه منذ بداية ترشيحه. وقبل أيام أعادت «نيويورك تايمز» التذكير بتحليل أجرته في يوليو الماضي لمضمون الإساءات التي وجهها الرئيس للآخرين عبر تغريداته. لاحظ التحليل أن ترامب يختار دائماً عدوين رئيسيين لمهاجمتهما بعنف، ثم يتوقف عن استهدافهما بعد أن يجد أنه لم يعد بحاجة لتشويههما أكثر من ذلك، أي بعد الإجهاز عليهما. وتستغرق هذه العملية أسابيع أو شهوراً. وقد يكون العدو المختار شخصاً أو قضية مثل الهجرة أو اتفاقيات التجارة، وقد يكون جهة مثل الإعلام الذي يبدو أنه هدف مفضل ودائم لترامب. ويعتقد الكاتب الأمريكي تشارلز بلو أن العداء بين ترامب والإعلام ليس ظاهرة فريدة، وإن كانت الحدة المتبادلة بين الطرفين غير معتادة. ولكن الحقيقة أن الخلاف بين المؤسستين، أي الرئاسة والصحافة، هو خلاف طبيعي لأن كل مؤسسة منهما تعمل وفقاً لقوانين ونظم مختلفة، وتلتزم بمعايير مهنية مختلفة أيضاً، ولديهما أهداف متعارضة. ذلك أن الصحافة تبحث دائماً عن الخبر وتسعى لكشف الأسرار التي تحرص السلطة في المقابل على كتمانها. ومن هنا يأتي الكر والفر بين الجانبين. إنها معركة بدأت قبل ترامب وستستمر بعده. وإذا كانت جولتها الحالية هي الأكثر شراسة فإن الأهم هو أنها لم تحسم بعد. assemka15@gmail.com

مشاركة :