عثمان النمر أياً ما كان يحدث في زيمبابوي انقلاباً أو غير انقلاب، فإنه يعيد طرح قضية الرؤساء الأفارقة المؤبدين في الحكم، وفساد البطانة المحيطة بهم.فقد نفى قادة الجيش في زيمبابوي أن تكون سيطرتهم على مؤسسات الحكم انقلاباً على الرئيس روبرت موغابي، بل حركة لاستهداف «المجرمين» المحيطين به في إشارة واضحة إلى زوجته غريس، التي تسعى منذ فترة إلى إقصاء كل رفاق درب المناضل السابق والنافذين في الحزب الحاكم لتعبيد الطريق أمام وراثته في الحكم.فقد طرد موغابي قبل عامين نائبته جويس موغورو فيما يعتقد المراقبون نزولا عند رغبة زوجته الطامحة إلى خلافته. وادعى موغابي أن نائبته خائنة تتآمر مع المعارضة ضده، وفي الوقت نفسه تمت ترقية زوجته جريس لمنصب قيادي في الحزب. وعندما كانت تثور أسئلة حول خليفته المحتمل كان يقول إن الشعب لا يمكن أن يستغنى عنه وإنه لا بديل له.ومؤخراً طرد موغابي نائبه ايميرسون منانغاغوا، وفي الاعتقاد أن إقصاء منانغاغوا يفسح الطريق أمام غريس لتكون الرئيسة المقبلة، وهو ما يعارضه بشدة ضباط كبار في الجيش.ماحدث في زيمبابوي هو صراع على السلطة بين من يستحق ولا يستحق، بين من يرعى النظام ومن يسعى من وراء الستار لتهيئة المسرح ليعلو سدة الحكم. موغابي الذي يعتبر اليوم من أكبر الرؤساء سنا في العالم، تدهورت صحته في السنوات الأخيرة، وتدهور قدرته على الحكم أدى إلى صراع على خلافته بين زوجته والطامحين والطامعين في الفوز بالمنصب من كبار أعضاء الحزب الحاكم. وكان جلياً هذا العام مرض موغابي، وفي خطاباته الأخيرة كثيراً ما تلعثم أو تمتم بالكلمات أو توقف برهات طويلة.عندما يسجل التاريخ في أسطر قليلة إرث موغابي، فلن يقول أكثر من أن فترة حكمه الطويلة شهدت انقلابه على رفاق السلاح في سبيل الاستقلال مثل الزعيم جوشوا نكومو، وقمع معارضيه بشدة، وهجرة جماعية لشعبه إلى دول الجوار خاصة جنوب إفريقيا، وتزوير الانتخابات والانهيار الاقتصادي الكبير منذ تطبيق 2000.وليس موغابي الطاعن في السن (93 عاما) والذي يحكم بلاده منذ استقلالها قبل 37 عاماً، بدعاً بين الرؤساء الأفارقة الذين سبقوه، والذي يستسلم إلى رغبات زوجته التي تصغره باربعين عاماً. ويعتبر رئيس مالاوي الأسبق هاستينغز كاموزو باندا اول من سن سنة التأبيد في الحكم، وأعلن نفسه في 1966 رئيساً مدى الحياة، وظل في سدة الحكم إلى أن بلغ من العمر 95 عاما، وكانت سكرتيرته الحسناء ذات الثلاثين ربيعا تحكم باسمه البلاد، إلى أن أطيح به في انقلاب دستوري جريء، مات بعده بثلاث سنوات.ورئيس الغابون الراحل عمر بونغو اوندامبا نموذج آخر فقد ظل يحكم بلا انقطاع 43 عاما إلى حين وفاته في 2009 عن 74 سنة، واورث الحكم إلى نجله علي. وكان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة نموذجاً ثالثاً فقد ظل يحكم منذ الاستقلال في 1957 لمدة ثلاثين سنة، وأطاحه وزيره زين العابدين بن على في 1987، بعد أن أفتى الأطباء أن الرئيس البالغ حينها 84 عاما مصاب بالخرف.وقائمة الرؤساء الافارقة الذين تشبثوا بكرسي الحكم حتى أقرب الأجلين الموت أو الخرف، طويلة تشمل جوليوس نايريري وتمبل باي وبوكاسا وموبوتو سيسيسيكو ومعمر القذافي ويحيى جامع وغيرهم ممن غادروا المنصب بعد الوفاة بشكل طبيعي بسبب أمراض الشيخوخة، أو أحياء في ثورة شعبية أو تمرد عسكري أو انقلاب. والرؤساء المؤبدون في الحكم يعتقدون-او توحى اليهم بطانة السوء المستفيدة من حكمهم- أن بقاءهم في سدة الحكم هو الضمانة الوحيدة لاستقرار البلد ووحدته، بينما أكدت وقائع التاريخ أن عاقبة الحكم المؤبد هي استشراء الفساد، وتكوين طبقة من القطط السمان المستفيدة الوحيدة من استمرار الحال على ما هو عليه، وفي كثير من الأحيان يستغل الأقارب والسدنة وحارقو البخور شيخوخة الرئيس والحكم باسمه ولمصلحتهم الخاصة.الضمانة الوحيدة والحقيقية للاستقرار والوحدة ليس شخص الرئيس بل الدستور والإرادة الشعبية التي يعبر عنها صندوق الاقتراع، ومؤسسات الحكم القائمة على الفصل بين السلطات، والجيش الوطني القوي والصحافة الحرة المستقلة والمواطنة الحقة ومنظمات المجتمع المدني.
مشاركة :