شخصية الجامعة السعودية - د. مشاري بن عبدالله النعيم

  • 8/30/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لا أريد أن أذكر القارئ بالتصنيف الذي صدر مؤخراً في شنغهاي لأفضل 500 جامعة في العالم ودخلت أربع جامعات سعودية ضمن هذا التصنيف بينما لم يشمل التصنيف إلا جامعة عربية واحدة هي جامعة القاهرة، ولن أسمي هذا إنجازاً كبيراً وتحولاً مهماً في مسار التعليم العالي في بلادنا فالطريق مازال طويلاً والمشوار يتطلب إعادة النظر في الكثير من الممارسات الأكاديمية والبحثية التي تحتاج إلى إعادة هيكلة الجامعة بشكل كامل حتى يكون التميز حقيقياً وينعكس على التنمية في بلادنا. ربما المسألة المهمة في الوقت الحالي هي طرح سؤال أساسي هو: هل للجامعة السعودية شخصية، وهي يمكن تمييزها عن غيرها من الجامعات بأسلوب تدريسها ومناخها التعليمي وتميز خريجيها وفرادة أبحاث أعضاء تدريسها؟ فأي جامعة في حقيقة الأمر لا يمكن أن تحظى باعتراف عالمي إلا بتفرد شخصيتها وتركها انطباعاً وسمعة على مدى أجيال برصانتها ومقدرة خريجيها في مجال العمل. انني أخشى أن الجامعات السعودية التي دخلت التصنيف اجتهدت فقط من أجل أن تكون في التصنيف لا أن تتميز على المدى الطويل فعلى الأرض ورغم الدعم اللامحدود من الحكومة للتعليم العالي لا أجد أي تقدم حقيقي في الشخصية العلمية والمعرفية للجامعة السعودية. هذه المقدمة تتوافق مع بداية العام الدراسي الذي سيبدأ يومه الأول غداً، وأنا هذا العام مثل كل عام أتابع القبول في الجامعات وأرى الصعوبات التي يواجهها الطلاب لكني أعتقد أن التشدد في مسألة القبول مطلوبة من أجل تميز الجامعة السعودية، ورغم أنني أتعاطف مع الأسر التي لها أبناء على وشك الدخول للجامعة لذلك لابد أن يكون هناك بدائل وأن تكون هذه البدائل تتناسب مع الرؤية الاقتصادية لبلادنا، المشكلة من وجهة نظري هي أن هذه الرؤية غائبة، فماذا نريد أن نكون بعد عقد أو عقدين غير محدد وهذا أصلاً يسهم في إضعاف شخصية الجامعة السعودية فضلاً عن كونه يحد من تطوير بدائل تعليمية للشباب يمكن أن يساهموا بها في تحقيق الرؤية الاقتصادية. أنا هنا لا أريد أن أضع العقدة في المنشار لكنني متيقن أن إصلاح التعليم يبدأ من الإصلاح الاقتصادي والإداري الشامل. ما لاحظته في السنوات الأخيرة هو ازدياد التنافس بين الطلاب للدخول للجامعة، ورغم أنني كنت من الذين انتقدوا امتحان القدرات والتحصيلي في بدايته إلا أنني لاحظت ازدياد اهتمام الطلاب في السنوات الأخيرة وارتفاع نسب القبول رغم هذه التحديات. الأمر الذي لست متأكداً منه هو أن هذا التنافس انعكس فعلاً على المستوى التعليمي للجامعة، فهذا غير أكيد وليس واضحً ولم يلمسه أحد. لعل هذا يجعلني أسأل عن فائدة التشدد في القبول طالما أن المستوى الأكاديمي للجامعة لم يتطور، بل ما فائدة إجراءات الاعتماد الأكاديمي طالما أن الوضع على ماهو عليه ولم نلمسه على أرض الواقع الأمر الذي يتطلب البحث عن أفكار جديدة للقبول ينعكس فعلاً على تطوير المستوى الأكاديمي للجامعة، وقد سبق أنني طرحت فكرة ربط التعليم الثانوي بالقبول في الجامعة مثل ما هو معمول به في بريطانيا وأمريكا بحيث يقوم الطالب بمراسلة الجامعة التي يرغب فيها بعد الأول ثانوي ويتم تحديد مجموعة تخصصات ويجب أن يحقق الطالب درجات معينة حتى يحق له الدخول في هذه التخصصات (في بريطانيا تسمى A لفل)، كما أنني أطالب بشدة العودة للامتحانات الوطنية في الثانوية العامة أي أن وزارة التربية والتعليم تقوم بإعداد امتحان المواد الرئيسية التي تحدد القبول في الجامعة وتكون هي المعيار الأساس للقبول في الجامعة. هذه الخطوة ستزيد من حجم المسؤولية على الطالب وستربطه بالجامعة وتطور التعليم العام والتعليم الجامعي. من المسائل المهمة التي تسهم في بناء شخصية الجامعة السعودية هي "الحرية الأكاديمية" وهو موضوع مهم وحساس وأذكر أنني تحدثت مرة عن وضع "الجامعة الألمانية" في ثلاثينيات القرن العشرين وكيف فيلسوف كبير مثل "مارتن هديغر"انتقد الحرية الأكاديمية في الجامعات الألمانية في ذلك الوقت وأن القيود المفروضة عليها سوف تضعفها وتدمرها وتلغي شخصيتها. في اعتقادي أنه قد آن الأوان لمراجعة وضع الجامعة السعودية ومنهجية تعيين القيادات فيها والعودة لما قبل منتصف التسعينات عندما كان يتم اختيار رؤساء الاقسام بالانتخاب. العودة "للحرية" الأكاديمة مسألة مهمة للتنافس ولتطوير شخصية الجامعة. على أن الحرية الأكاديمية لا تقتصر فقط على اختيارات القيادات في الجامعة بل تشمل جوانب متعددة لعل أهمها هي "بيئة الطالب الجامعية" التي يجب أن تكون أكثر مرونة وانفتاحاً، فجامعتنا أقرب إلى الثانويات الكبيرة التي تفتقر للحوار والأنشطة العلمية والترفيهية وتخلو من الحوار والمقدرة على بناء العلاقات الاجتماعية. الفضاء العام في الجامعة مغلق بشكل مزعج، ويمكن أن أشببها بانغلاق الفضاء العام في المدينة السعودية ولعل هذا ما يجعل الجامعة السعودية غير مؤثرة فكرياً ويدفع بعض الشباب إلى تبني أفكار مضللة. الحرية الأكاديمية تتطلب انفتاحاً لهذا الفضاء والتعامل مع البيئة التعليمية والاجتماعية للطلاب بأسلوب مختلف. روح الحياة الجامعية مفقودة، الروح التي نراها في الجامعات في الخارج غير موجودة لدينا، كلها أسباب تدفع الطلاب للانغلاق بحيث تكون تجربتهم الجامعية محدودة. ربما هذا ما يجعل الكثير يرغب في الابتعاث للخارج، فحتى لو لم ينهِ الدراسة الجامعية يعتقد أن التجربة نفسها مهمة ومختلفة ومؤثرة على حياته المستقبلية. شخصية الجامعة السعودية لا يمكن أن تتشكل إيجابياً دون إحداث ثغرة في الحياة التعليمية بشقيها الأكاديمي والاجتماعي، وهذا يتطلب تحولاً في مفهوم التعليم العالي نحتاج له بشدة في الوقت الحالي. ربما تكون آخر فكرة أطرحها في مقال اليوم حول شخصية الجامعة السعودية هو "التصنيف" فكل دول العالم تصنف الجامعات من حيث القوة والاكتمال والمقدرة والحجم والبحث العلمي والتأثير والتخصصات العلمية، ونحن ما زلنا متخوفين من الإقدام على هذه الخطوة "حتى لا يزعل أحد"، فالنتيجة تعادل والكل حبايب، لكن هذه النتيجة لا تخدم التعليم العالي في بلادنا ولا تحث على المنافسة ولا تبني شخصية الجامعة، والحقيقة أن من بين الأربع جامعات السعودية التي دخلت التصنيف لم أجد إلا جامعة الملك فهد وجامعة الملك عبدالله اللتين تتميزان بالتخصص العلمي الواضح ويمكن أن أتفهم دخولهما في التصنيف، وهذا لا يقلل من الجامعات الأخرى ولكن المعايير غير واضحة والتصنيف أصبح مطلباً مهماً. الموضوع يطول الحديث فيه وأعتقد أن العالم مقبل على تحوّل معرفي وتقني شامل ومالم يواكب تعليمنا هذا التحول سنكون خارج عالم المستقبل وأذكر هنا أنني كتبت مقالاً في هذه الصحيفة بعنوان "الأسرع يأكل الأبطأ: وقفات مع التعليم العالي" (السبت 26/11/2005)، وكنت أعتقد في ذلك الوقت قبل عشر سنوات أننا بطيئون جداً في تطوير التعليم العالي واليوم، الوضع لم يتحسن كثيراً وأعتقد أننا أكثر بطئاً من قبل وهذا في حد ذاته ينذر بالخطر المستقبلي.

مشاركة :