ثناء عطوي (بيروت) بعد عام حافل بالأنشطة والفعاليات الثقافية والفنّية والفكرية التي شهدتها خمس مدن هي: داكار، والشارقة، واسطنبول، ورام الله، وبيروت، حطّ بينالي الشارقة الثالث عشر: «تماوج» في بيروت، ليختتم دورته السنوية، بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية «أشكال ألوان»، بسلسلة معارض فنّية وندوات ومحاضرات وأفلام سينمائية وعروض أداء، وذلك بالتوازي مع افتتاح آخر مشاريع البينالي تحت عنوان «على طبق مختال»، والذي تمحور حول ثيمة «الطهو» في أبعاده الثقافية والاجتماعية. إيمان مرسال قدّمت قراءة ثقافية لفعل الطهو نفسه، تحت عنوان «تأمّلات في لغة الطعام»، كما قدّمت تحليلاً خطابياً للمفردات المستخدمة في المطبخ العربي، وكيفية تطوّر هذه الخطابات في طبق واحد، وتمرير ما لا يقال علناً فيها. وأكّدت قدرة الأكل في تعزيز الألفة أحياناً، وتأثيره على ذائقتنا. ولفتت إلى الجانب الإيروتيكي المرتبط بالطهو، والسردية الحكائية التي تملأ برامج الطبخ العربية، وارتباط ذلك كلّه بآليات السوق واقتصاداته. أما مايا أبو الحيّات وديبا باستي، وطارق العريس، فعرضوا في، ندوة «روابط ملزمة»، للأطعمة التقليدية البيروتية وغيرها، وارتباطها بالذائقة الشعبية، كتجربة فيها اختبار وتذوّق وتجارب. ومن الطعام إلى فكرة «السّبات» التي كانت محور معرض جماعي بعنوان «ثمرة النوم»، أقيم في متحف سرسق، بدا أن الفن التشكيلي العربي يعيش تساؤلات مفصلية. ففكرة السبات هنا، لم تقتصر على السبات الذي يقع في نطاق اللاوعي، بل سعى الفنانون المشاركون لتأويل ما تدركه المشاعر بفطرتها؛ ارتبطت فكرة السبات بالسرير المعلّق على الحائط بشكل غير مألوف، وبسرير العمليات الجراحية، وب القيّمة على المعرض ريم فضّة أوضحت لـ «الاتحاد» أنها تناولت فكرة النوم بتأثير «كتاب النوم» الذي صدر حديثاً للكاتب المصري هيثم الورداني، وتناول فيه النوم بطريقة مجازية، مؤكّداً الحاجة البشرية للنوم كي يصل إلى يقظة حقيقية، وساوى بين فكرة التيقّظ والنوم، أي اليقظة المدنية السياسية. وقالت: «تناولت الفكرة مجازياً لأطرح سؤالاً رئيساً: أين هو الفن والثقافة، أين يتّجهان في مؤازرة الأحداث الراهنة العربية والعالمية، وكيف تتجدّد لغة الفن وتصبح أكثر اتّصالاً بالاحتياجات الاجتماعية، وهذا لا يعني أنني لا أفكّر بالجماليات، بل نحن بحاجة إليها كما هي حاجتنا إلى النوم تماماً حتى تأخذنا نحو نوع من اليقظة». لقد اخترتُ موضوع النوم في لبنان تحديداً، لأن الحراك المدني في هذا البلد مميّز، والمجتمع المدني ناشط، ويحاول أن يصل إلى إجابات، ويطرح تساؤلاته الدائمة أيضاً. وعلى الرغم من أن الحراك الثقافي والفني متطوّر في لبنان، لكني أشعر أنه يغطّ في سبات عميق، لذلك أنا أحاول إثارة فكرة المشاريع الفنية اليقِظة كي أطرح سؤالاً واضحاً على المجتمع الثقافي اللبناني. في السياق نفسه، يأتي معرض «تعبير لا يمكن التنبؤ به عن قدرة الإنسان»، أقيم في مركز بيروت للفن، ويسعى للاستجابة للحظة العالمية الراهنة، التي تشهد تحوّلاً نموذجياً في التعبير الثقافي لدى جيل الشباب. الفنانون هنا يذهبون في محاولة عمران هذه اللحظة، وتدخل المشاريع المُقدّمة في صلب ثقافة الاحتجاج، وهي ترتبط بالأدب والهجرة ومعاناة الناس في أوطانهم، وذلك جرّاء السياسات العنصرية والقمع والفقر، وتعكس حالة الغضب والقلق الاجتماعيين، وتحاول استقراء الأصول الشخصية. ولم تبتعد المحاضرات والندوات عن الثيمتين السابقتين، حيث عُقدت أربع محاضرات وندوات ناقشت: «طعم الجريمة: ترابط حرّ في الأفكار»، «نزعة تفاعلية: الوصفة كذريعة تركيبات جديدة للسلطة على الحياة»، «جوع وهذيان»: حكايات من زمن المجاعة الكبرى»، «عن دماغ نيتشه الثاني: الأمعاء أم الأهواء»، «حكاية جبال الزبالة وأنهار القمامة والطيور المهاجرة». وتركّزت الأنشطة في الأيام الأخيرة على عروض الأفلام السينمائية وعروض الأداء ونقاشات وندوات وجولات على المعارض.
مشاركة :