وثائق المراسلات الحكومية البريطانية تصدر لإطلاع العامة والباحثين بعد مرور خمسين سنة على تحريرها. لكن فيما يبدو أن تسارع العصر وإيقاع الزمن جعلهم يختصرون تلك المدة إلى ثلاثين عاماً بدلاً من خمسين. وهم يتيحونها للجمهور بعد التأكد أن مضمونها لم يعد سرياً، وليس له تأثير سيِّىء على علاقة بريطانيا بهذا البلد أو ذاك. وتزاحمت الصحافة العربية التي تصدر في لندن على ترجمة الوثائق والمراسلات التي يتيحها مكتب الوثائق البريطاني P.R.O كل ثلاثين سنة، وتتضمن مراسلات السلك السياسي البريطاني وانطباعاته وآرائه التي يطرحها أمام مراجعه، أي مراسلات السفراء والقناصل البريطانيين في أنحاء العالم، الموجهة إلى وزارة الخارجية البريطانية. وقد لاحظتُ في التراجم التي نقرؤها في صحافة عربية تصدر من الخارج أن المترجم أو المترجمين لم يوفقوا في تسمية الدوائر التي كانت ولاتزال تمسك بجزء كبير من أمور ومنعطفات التاريخ السياسي البريطاني. فقد قرأت أخيراً ترجمة كررت اسم أو عبارة "القسم الخاص" وفات على المترجم أن يلاحظ أن عبارة Special Branch سبيشل برانش يأخذ مفرداها الاستهلال الكبير الحرف الأول منه كبير ، ما يعطي إشارة إلى أنه اسم صحيح. وهو لدائرة أمنية خاصة بمراقبة الأجانب، وبالأخص السلك السياسي واسم الدائرة مراقبة الأجانب. وفي بريطانيا تُعتمد أسماء الإدارات باسم المقرّ . فلا توجد كلمة " مجلس الوزراء (مثل) بل يكتفون بالقول (10 داوننج ستريت). كذلك رئاسة الشرطة البريطانية لا تُعرف إلا بمُسمّى (سكوتلاند يارد) أما الأحوال المدنية فلا يوجد لها ترجمة بتاتا إلا (سومرسيت هاوس) وهذا – ربما – هو الذي جعل المترجمين تختلط عليهم الأشياء. وقد رأيتُ حديثا عبارة (عندليبا فلو رنسيّا) فتوقفت مستغربا صفة كهذه. وعلمت أخيرا أن الأصل يعني (فلورانس نايتنجيل) وهي رائدة علم التمريض. وفعلا كلمة (نايتنجيل) تعني العندليب. أغلب المترجمين الذين عُهد إليهم بالترجمة جيدون.. لكن معرفتهم بأدب انجلترا وأدبائها أمثال كيتس ( 1795 1821) وجين أوستن ( 1775 1817). غلب على معرفتهم بماكنة العمل الدبلوماسي والأمني في بريطانيا.
مشاركة :