يبدو أن الزميل مبارك الدويله كان منفعلاً عندما كتب مقاله «محاولة نشر الفكر الغريب»، المنشور في القبس بتاريخ 2017/10/22، فبدأه بدفاع عنيف عن «الصحوة الدينية» التي دخلت قلوب الناس بعد «سقوط المد القومي والناصري في نهاية الستينات من القرن الماضي». وبدا الزميل الدويله متحسّرا على «انحسار التيار الإسلامي بشكل عام، وفي منطقنا العربية بشكل خاص، نتيجة «شيطنة» التيار الإسلامي الوسطي المتمثل في فكر الإخوان المسلمين». وأود أن أطمئنه إلى أن التيار الإسلامي لم ينحسر بالدرجة التي يراها، ما سينحسر هو التيارات الإسلامية المتطرفة. وإن كان الزميل الدويله يرى أن نسخته من «الإخوان المسلمين» وسطية، فكثيرون يرونها غير ذلك. لا نتوقع ولا نريد أن يصبح فكر «الإخوان» في الكويت يساريا أو علمانيا. فكل ما نطمح إليه هو أن تكون النسخة الكويتية من فكر «الإخوان» أقرب للنسخة التونسية والتركية. «إخوان الكويت» بحاجة إلى الوصول لمستوى وعي الإخوان في تركيا وفي تونس، وفي المغرب العربي. وحتى علمانيو وليبراليو الكويت بحاجة إلى الانطلاق إلى مستوى أرقى في حوارهم مع التيارات الإسلامية، لكن هذا ليس موضوعي الأساسي من الحوار مع الزميل مبارك، موضوعي الأساسي هو خوضه في نظرية التطور بما تضمن في مقاله بأن «هناك من يحاول ضرب فكرة الخلق من جذورها، عندما يقول إن الإنسان كان حيوانا يزحف على أربع. وأنه لأسباب مادية بحتة تطور عقله الذي طور أطرافه، بحيث تمكن من الوقوف واستعمل يديه». وأرى أن ما أورده الزميل حول نظرية التطور كان تشويها لها. خصوصا أن كثيرا من رجال الدين لا يرون أن هناك تعارضا بين نظرية التطور والدين، أو أن التعارض ليس في جميع مناحي نظرية التطور، وإنما في جزئية منها. فضمن ما ورد من إضافات في موقع التوحيد eltwhed.com حول الموقف الإسلامي من نظرية التطور، ورد الآتي من أحد المشاركين المؤمنين الملتزمين بدينهم: 1 – أنا أرى أن معظم نظرية التطور إما لا تخالف «أي أن الشرع صامت عنها» أو أنها توافق الدين الإسلامي. هناك أجزاء منها في تعارض صريح مع الشرع الإسلامي. 2 – أنا أرى أن الشرع إجمالا صامت عن نظرية التطور. لا مانع أن يكون قانون الانتخاب الطبيعي من السنن الكونية لله عز وجل. عملية الخلق كانت متدرّجة، وهناك في القرآن ما يؤيد ذلك. 3 – الرابط بين الإنسان والقرد: هي المشكلة الأساسية بين الإسلام ونظرية التطور. ومن المهم التذكر هنا أن وجود رابط «قربى» أو جيني بين الإنسان والقرود ليس غريبا تماما عن الشرع الإسلامي، حيث إن هناك أناسا مسخوا إلى قرود. لو قبلنا أو فرضنا أن من مسخ أعطي نسلا واستمر لكان هذا هو نظرية التطور بعينها مع الفارق أن الإنسان هو أصل للقرد وليس العكس. انتهى اقتباسي من eltwhed.com. لا شك في أني أختلف مع النقطة 3، وأرى أن علاقة الإنسان بالقرد يجب ألا تحرج مشاعرنا، لا الإيمانية منها ولا الإنسانية. ومع أني أرى أن للعلم مجاله، وللدين مجاله الآخر، فيمكن للمؤمنين أن يعاودوا تفسير النص الإلهي في القرآن الكريم بصورة رمزية. فكاتب هذه السطور تعلّم عن نظرية التطور من أستاذ مؤمن كان يردد لطلابه دائما قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: «يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان» (33: الرحمن). كان هذا الأستاذ المرحوم عبدالرحمن شكري سويرجو، الذي كان جيولوجيا وتحوّل إلى تدريس علم الأحياء. فخلفيته في الجيولوجيا جعلته متمكنا من تقديم نظرية التطور لطلابه بصورة عقلانية، كان يشرح لنا أن الحياة على الأرض ظهرت تدريجيا. ففي الصخور الرسوبية الأقدم على وجه الأرض، نجد حفريات لحيوانات ونباتات بدائية مكوّنة من خلية واحدة، أو من عدة خلايا، ولكن لم تظهر الأجهزة الوظيفية في جسم الحيوان إلا في مراحل متأخّرة نسبيا. وكنا في الثانوية في الكويت نشرح الجرجور، باعتباره أقدم الأسماك على وجه الأرض، فحتى عظامه لم تكتمل صلابتها. وكان يأتي لنا بالإسفنج في المختبر قبل أن يأتي لنا بالجرجور، لأن الإسفنج عبارة عن حيوان من تجمع خلايا، أما الجرجور فكان حيوانا بالغ التعقيد بالنسبة الى الإسفنج، وربما ظهر على وجه الأرض بعد بليون سنة من ظهور الجرجور. أما الإنسان فقد ظهر بعد أكثر من بليون سنة من ظهور الجرجور. وللأمانة، فتقديري لعدد السنوات ليس بدقيق لكن ليس ببعيد. هذا وإلى حد كبير، كررت ما درسته في السنتين الأخيرتين في الثانوية العامة في الكويت في علم الأحياء، في السنة الدراسية الأولى في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1971 ــــ 1972. فكان عليّ كطالب في مرحلة ما قبل الطب أن أدرس مادة في علم الحيوان، وأخرى في علم النبات. وأذكر أني دهشت من محاضرة الأستاذ في علم النبات عندما تحدث عن تجربة أجريت عام 1952 اثبتت إمكانية تكوين الأحماض الأمينية في المختبر، وهي الأحماض التي يتكوّن منها البروتين الحيواني. فقد كان أستاذنا يشير إلى تجربة قام بها العالمان الأميركيان: ستانلي ميلر، وهارولد يوري، فقد قام هذان العالمان بتمرير شحنة كهربائية على إناء مغلق يحتوي على غازات الهيدروجين والميثان والأمونيا لمدة أسبوع. وفي نهاية التجربة تكوّنت لديهما مادة بنية، احتوت على 11 من الأحماض الأمينية الـ20 المسؤولة عن الحياة على سطح الأرض. د. حامد الحمودHamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@
مشاركة :