حسام بدراوي أمين عام حزب مبارك الذي يحاول العودة من جديد بقلم: أحمد حافظ

  • 11/4/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الأكاديمي حسام بدراوي يهوى لقب الإصلاحي الذي لا يقف في صف أحد، ويهوى أن يكون شريكا في أيّ تغيير دون أن يصنعه.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/11/04، العدد: 10802، ص(12)]حسام بدراوي طبيب إصلاحي يمسك بالعصا من المنتصف القاهرة- منذ ظهوره على الساحة السياسية في مصر خلال عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك كان نهجه الاعتدال. اعتاد أن يكون وسطيا أو بمعنى أدق يمسك العصا من المنتصف، كما يقال في الأمثال. لم يكن يهاجم بقسوة على طول الخط، حتى لا يدخل في صدام مع النظام الحاكم ما يُعجّل بإقصائه من المشهد، ولم يكن يظهر كمؤيد طوال الوقت، ليتجنب أن يكون محسوبًا على النظام ويُفهم أنه أحد رجالاته الذين يروّجون لسياساته ما يرتب اتساعا في الفجوة بينه وبين المعارضين. ومنذ انتهاء حكم مبارك عقب ثورة 25 يناير 2011، ومطاردة المجتمع لمختلف الرموز السياسية والحزبية لنظامه، لم تتوقف. حتى أن البعض راح يطالب بمحاكمتهم تارة وتارة أخرى بحرمانهم من ممارسة العمل السياسي، لذلك آثرت أكثرية الشخصيات التي كانت مؤثرة في الحزب الوطني الحاكم آنذاك أن تبتعد عن الأضواء فلا يُذكر اسمها لا في الخير ولا في الشر حتى لا تنفتح عليها أبواب جهنم. يغرد خارج السرب تمسك حسام بدراوي، الأكاديمي الذي استعان به نظام مبارك لشغل منصب الأمين العام للحزب الوطني في ذروة الثورة، بأن يغرد خارج سرب رجاله، ويرفض الاختفاء ويصمم على العودة إلى المشهد المصري بقوة، ليس من باب السياسة بل من خلال وضع خطط لتطوير التعليم، باعتباره أكاديميًا وخبيرًا دوليًا مُحنّكًا لديه رؤية ثاقبة في هذا المجال. لم يجد صعوبة في أن يقنع الناس بعودته إلى المشهد، ربما لأن مواقفه داخل الحزب الوطني الغابر منذ انضمامه إليه مطلع تسعينات القرن العشرين مالت إلى الاعتراض الدائم فبدا كصوت معارض قوي لسياسات مبارك وهو ما حصّنه من غضبة الثائرين. صحيح أن البعض من رجالات مبارك عادوا إلى المشهد السياسي بطرق عديدة، سواء باختيارهم لشغل مناصب بدافع الخبرة الطويلة لديهم، أو من خلال خوض الانتخابات البرلمانية، لكن حسام بدراوي أراد العودة بطريقة سلسلة لا تسبب له منغصات، مستغلا في ذلك خبرته الطويلة في مجال التعليم واتساع أفقه في هذا المجال. طبيب النساء والتوليد بكلية طب جامعة القاهرة تلقى دراساته في الولايات المتحدة، سواء في جامعة واين ستات بولاية ديترويت ميتشغان أو جامعة شيكاغو إلينوي أو جامعة بوسطن ماساشوستس، وحصل على الدكتوراه الفخرية في العلوم من جامعة سندرلاند في بريطانيا، ويمتلك واحدًا من أشهر المستشفيات الخاصة على نيل القاهرة. ابن الجمعيات الأهلية دخل بدراوي السياسة عبر والد زوجته اللواء حسن أبوباشا، وزير داخلية مصر الأسبق الذي كانوا يطلقون عليه لقب “وزير الداخلية السياسي” لما عرف عنه من التعامل مع ملف الإسلام السياسي بطريقة سياسية بعيدة عن القبضة الأمنية، وحصل بدراوي على عضوية مجلس النواب عام 2000 وترأس لجنة التعليم والبحث العلمي بالبرلمان، ثم اختير عضواً بمجلس الشورى عام 2007، وانتُخب في مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية عام 2008 ثم مرة أخرى عام 2011.العودة إلى المشهد من جديد خلال حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي ينجح بها بدراوي بنفس الطريقة التي وصل بها إلى نظام مبارك، بأن يعارض بعض القرارات والسياسات الحكومية وينتقدها بقوة وأسس مجموعة من الجمعيات الأهلية غير الحكومية تعمل في النشاطات الخدمية، وهو عضو سابق في المجلس الأعلى لحقوق الإنسان بمصر عام 2004، وأسس في نفس العام المجلس الوطني المصري للتنافسية وهو الأول من نوعه الذي يهدف إلى جعل المؤسسات الوطنية أكثر تنافسية على المستوى العالمي، وتميز برؤيته الواضحة والشاملة في مجال إصلاح التعليم من خلال عشرات الأبحاث التي قدمها ومؤسسة “النيل بدراوي للتعليم والتنمية” التي يمتلكها. بداية دخوله الحزب الوطني شهدت بعض الصدامات، ومارس السياسة في صورة معارضة من الداخل، وأنشأ داخل جامعة القاهرة أسرًا طلابية، من بينها “أحفاد الفراعنة” و”الحالمون بالغد”، وهي أسر تقوم على تربية الشباب على أسس سياسية بحيث لا تترسخ بداخلهم فكرة أنهم “أبناء السلطة”، الأمر الذي واجهته الأجهزة الأمنية بمزيد من التضييق وتفكيك هذه الأسر، فقرر نقل معركته إلى خارج أسوار الجامعة، وترشح في الانتخابات البرلمانية تحت شعار “التغيير” من باب الحزب الوطني. أزمة بدراوي الآن تتمثل في أن الناس بدأت تتعامل معه على أنه خبير تعليمي بإمكانه المساهمة بخبراته وفكره المتقدم في إحداث نقلة نوعية في مجال التعليم المتدهور في مصر، وليس على أنه سياسي محنك، بينما هو يريد أن يكون التعليم مدخله إلى لعب دور سياسي جديد معتمدا في ذلك على رصيده من معارضته القوية لنظام مبارك وقت أن كان أحد رموزه البارزين. احتواء المعارضين كان أحد الوجوه المعارضة التي أراد نظام حسني مبارك أن يظهر من خلالها أن الحزب الوطني الحاكم يحتضن كل الأطياف على مختلف توجهاتها الفكرية والسياسية لإعطاء رسائل وإيحاءات بأنه يستوعب المعارضين قبل المؤيدين بل ويمنحهم متسعًا من الحرية للتعبير عن آرائهم بقوة حتى لو كان ذلك ضد توجهات الحزب الحاكم. لذلك ظهر خلال عضويته في الحزب الوطني إبان عصر مبارك في صورة “الرجل الإصلاحي” الذي يعارض السياسات الخاطئة ويعلن ذلك جهرًا أمام الرأي العام وينتقد قرارات حكومية ورئاسية، وفي نفس الوقت كان يدافع عن قرارات وسياسات أخرى يراها تتسق مع توجهاته وأفكاره.مبارك لم يصغ لتحذيرات بدراوي الذي كان قد استطاع تكوين شبكة علاقات قوية مع مختلف القوى السياسية والمعارضة، قبل لحظة سقوط النظام ولأنه نجح في العودة إلى المشهد من جديد خلال حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي بنفس الطريقة التي وصل بها إلى نظام مبارك، كأكاديمي وخبير تعليمي، فهو مازال يتمسك بنفس السياسة، بأن يعارض بعض القرارات والسياسات الحكومية وينتقدها بقوة، لكنه يحرص دائمًا على إعلان دعمه لاستمرار السيسي لفترة حكم ثانية ويؤيد سياسته الخارجية وطريقة إدارته ملف التنمية والإصلاح الاقتصادي. يدرك جيدًا أن الوضع السياسي الراهن يختلف عمّا كان عليه الأمر خلال فترة حكم مبارك، لذلك فإنه يتحسس خطواته جيدًا، فالظرف الحالي لا يسمح له لا بتكرار ما فعله إبان النظام السابق من تشكيل معارضة داخلية بالحزب الوطني تطلق على نفسها “التيار الإصلاحي”، ولا بالجلوس مع المعارضين أمثال سعدالدين إبراهيم ومحمد البرادعي وحركتي كفاية و6 أبريل على طاولة واحدة للتشاور بشأن توحيد الرؤى. هكذا كان الرجل يفعل دائمًا، ومن ثم نجح في أن يقترب من الحكومة والمعارضة والسلطة والقوى السياسية والشارع بنفس الدرجة لأنه وقف على مسافة واحدة من الجميع لذلك كان الوسيط المناسب والموثوق به من جانب نظام مبارك والمعارضة وقت ثورة يناير لإنجاز حل سياسي للأزمة. هجوم لكن بحساب بعد سنوات من عضويته بالحزب الوطني خرج ليهاجم بعض سياساته ورجاله وعلى رأسهم رجل الأعمال وإمبراطور صناعة الحديد، أحمد عزّ أمين التنظيم بالحزب، واتهمه بأنه يخلط البزنس بالسياسة ويستغل موقعه في الحكم لتحقيق مكاسب اقتصادية. في ذروة هجوم المعارضة على مبارك بسبب تمديد حالة الطوارئ وتمرير البرلمان قانون محاربة الإرهاب وتراخي الرئيس في تعديل المادة 77 من الدستور بما يسمح بتداول السلطة وفتح الباب أمام السياسيين للترشح في انتخابات الرئاسة، انضم بدراوي لكل هذه الأصوات المهاجمة ودعمها بقوة، وأدلى بتصريحات أغضبت رموز الحكم، بينها تأييد الإشراف الدولي على الانتخابات لضمان نزاهتها. وبلغت درجة معارضته سياسات مبارك، برغم عضويته في النظام الحاكم، أنه كان يلتقي رموز حركة “كفاية” التي كانت في خصومة مع مبارك ويتناول معهم الطعام، وكانت مبرراته في ذلك هي “أنّ من حق هؤلاء أن يسمعهم النظام ويعرف مطالبهم لأنّ تجاهلهم هم وغيرهم من الأصوات المعارضة سوف تكون عواقبه وخيمة”.حسام بدراوي يحرص دائما على إعلان دعمه لاستمرار السيسي لفترة حكم ثانية ويؤيد سياسته الخارجية وطريقة إدارته ملف التنمية والإصلاح الاقتصادي غير أن النظام الأسبق لم يصغ لتحذيرات بدراوي الذي كان قد استطاع تكوين شبكة علاقات قوية مع مختلف القوى السياسية والمعارضة، ثم عندما حانت لحظة سقوط النظام تمت الاستعانة به من جانب مبارك ليكون “القشّة” التي يتعلق بها النظام وقت ثورة يناير، وتم تكليفه بمنصب الأمين العام للحزب خلفا لصفوت الشريف. في الأيام الأولى لثورة يناير أعلن بدراوي دعمه الكامل لمطالب المتظاهرين وتعاطفه معهم وانتقد سياسات الحكومة والحزب الحكم، وقال “إن متظاهري ميدان التحرير يستحقون التحية وليس الحجارة، وتبين أن من قام بضربهم هم عناصر من الحزب الوطني يجب أن تقطع رقابهم وتتم محاسبتهم بحزم، وعلى الحزب الوطني أن يحترم مطالب الغاضبين”. لذلك كان بدراوي بمثابة “الرسول الأمين” في نظر المعارضين والثوار الذين خرجوا في الميادين ليطالبوا مبارك بالرحيل، حيث اجتمع بالرموز السياسية والحزبية في ذروة غضب الشارع، وبعدما أجمعوا على ضرورة تنحي مبارك قال لهم “أؤيدكم بشدة وسوف أقنع الرئيس بذلك”، ونجح في إقناعه بالفعل بعدما كانت كل الأصوات داخل القصر الرئاسي تخشى مطالبته بذلك أو حتى تلمّح للأمر، لكن بدراوي كان شجاعًا. ولأن مبارك رمى أذنيه لمقربين آخرين في القصر، وتراجع عن فكرة التنحي التي أقنعه بها بدراوي، تقدم الأخير باستقالته من أمانة الحزب الحاكم قبل أن تتفاقم الأمور في الشارع ويضطر مبارك إلى التنحي عن حكم البلاد. يدرك بدراوي أن عودته إلى المشهد من جديد لن تكون صعبة، لا سيما وأنه يحتفظ برصيد قوي عند مختلف الأطراف، ونجح في الجلوس قبل أشهر على طاولة الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما اجتمع بمجموعة من النخبة والمفكرين والأكاديميين لمناقشة بعض الأمور الخاصة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو ليس محسوبًا على أحد ولا يريد لنفسه ذلك. والرجل يمارس لعب دوره السياسي بحنكة وذكاء شديدين، فهو يلعب كل الأدوار في وقت واحد، المؤيد والمعارض، الأكاديمي والسياسي، الباحث والمشاهد عن بعد، ويقترب بحساب ويبتعد بحساب، حتى يستمر على نفس الشاكلة التي كان عليها وقت أن كان رمزا مهما في نظام مبارك، والمتابع له عن قرب خلال الآونة الأخيرة سيجده يتحدث في كل شيء ويعلق على كل الأحداث بحكم قربه من مطبخ صناعة القرار في الماضي القريب واطّلاعه على دهاليز الكثير من الأمور وكواليس لم يكن يطّلع عليها سوى فئة قليلة من المقربين للنظام الحاكم.أزمة بدراوي تتمثل الآن في أن الناس بدأت تتعامل معه على أنه خبير تعليمي بإمكانه المساهمة بخبراته وفكره المتقدم ، وليس على أنه سياسي محنك، بينما هو يريد أن يكون التعليم مدخله فقط يظل بدراوي شخصية غامضة ومثيرة للجدل، طموحها بلا حدود، فهو الذي رفض أكثر من مرة تولّي منصب وزير التربية والتعليم خلال السنوات التي أعقبت ثورة يناير، حيث أدرك مدى خطورة شغل المنصب خلال فترة عدم الاستقرار السياسي. واعظ حكيم ولا أحد يسمع يمكن تفسير عودة الرجل للعب أدوار جديدة على الساحة السياسية، فهو يبحث عن أن يكون “الواعظ” الذي ينصح مختلف الأطراف دون أن يشترك معهم في شيء، بمعنى أنه يضع الحلول بما يتماشى مع مطلب المعارضين والناقمين على الوضع بشكل عام، وهي سياسة تتفق مع مبدأ إمساك العصا من المنتصف. لمَ لا وهو المعروف عنه أنه يهوى لقب “الإصلاحي” الذي لا يقف في صف أحد، ويهوى أن يكون شريكا في أيّ تغيير دون أن يصنعه، وهو ما بدا في تصريحاته مؤخرًا منذ عودته إلى المشهد من جديد بعدما شعر بأن هناك أخطاء ترتكب من الحكومة وأجهزتها المختلفة، فبدأ يجاهر بمواقفه المتسقة مع شخصيته كمعارض لكل ما يتناقض مع مبادئه. يمكن استنباط أن بدراوي شخصية تعادي كل ما من شأنه التضييق على الحريات وانتهاك حقوق الناس في التعبير عن رأيهم، فهذا مبدأ عنده لا يتغير، وينظر إلى أن بداية انهيار الأنظمة الحاكمة هو عدم المبالاة بما يطالب به الآخرون، وأن يدير النظام ظهره للناس، وقتها تأتي العاصفة التي لن يوقفها أحد. تعرّض للحكومة بهجوم شديد في أكثر من مناسبة، ووصفها بأنها “لا تعرف ماذا تريد ولا من أين تبدأ”، وزاد على ذلك بأنه طالب بإصلاح مؤسسات القضاء والشرطة، لأن العمود الرئيسي للحرية هو أن يكون هناك قانون يتم تطبيقه جيدا، والقضاء والشرطة عاملان رئيسيان في أيّ تقدم اقتصادي أو اجتماعي، وهو من أشد المؤمنين بأن عدم وجود حزب سياسي للرئيس السيسي “خطر”، لأن ذلك يحمّله مسؤولية كل شيء دون ظهير شعبي يعرض سياساته وتوجهاته ويتواصل مع الناس ويقترب من المجتمع وينزل إلى الشارع.

مشاركة :