* من أبسط قوانين الطبيعة أنك عندما تحاول حجز مياه الأنهار عن السير في مجاريها الطبيعية، فإنها - وبفعل الضغط - تقوم بإنشاء طرق جانبية، وقنوات فرعية لتصريف مياهها.. الطبيعة لا تتوقف بالتأكيد.. لكن الخطورة تكمن في أن هذه القنوات غير الطبيعية، والتي نشأت بفعل الحاجة قد تتسبب في مشكلات وانهيارات وكوارث تفوق في أحيان كثيرة المشكلة الأساسية من حيث الحجم والقوة والتأثير. * هذا هو ما يحدث بالضبط عندما يمنع أحد الموظفين في مؤسسة أو إدارة حكومية (نهر) التعاملات الرسمي من السير بشكل طبيعي وسلس ومعلن.. فوضع الحواجز والعراقيل البيروقراطية أمام مصالح الناس ومعاملاتهم، سينشئ - بلا شك - قنوات جانبية غير رسمية تزدهر وتنمو في الخفاء لها مستفيدوها وضحاياها.. الأمر الذي سيؤدي إن استمر إلى نشوء (ثقافة سلبية) لا يعود معها المواطن مطمئنًا إلا لتلك الطرق الجانبية وغير الرسمية لأنها تبدو له أسرع وآمن وأسلم.. لذا من المضحك المبكي أن تجد من يبحث عن (واسطة صديق) ليصل إلى خدمة اعتيادية جدا يُفترض أنها حق مشاع للجميع لا تحتاج إلى تدخل أحد!. * الواسطة - بحسب تعريف نزاهة - هي إحدى أخطر وأشد أنواع الفساد فتكًا مهما حاولنا (شرعنتها) بتغيير مسماها، أو التخفيف من فجيعتها بتقسيمها إلى (حميدة) و(غير حميدة)، خصوصًا عندما تتدخل لمنع أو اغتصاب حق.. أو وضع الأقرب بدلًا من الأكفأ.. فهنا يتجاوز الأثر الحقوق الشخصية ليدخل في نطاق الأخطار التي تهدد أمن الوطن وسلامة ثرواته.. ليس لأنها تضع من لا يستحق في مكان المسؤولية فقط.. بل يتعدى الأمر ذلك إلى قضية حرق الكفاءات وإحباطها. * قلت من قبل أن علاقتنا بالواسطة علاقة ملتبسة حد النفاق.. فبقدر ما نجاهر بكراهيتها ومحاربتها، بقدر ما نلهث خلفها في أصغر حاجاتنا.. وهذا في رأيي يعود لأسباب ثلاثة أولها منطق وثقافة (الاستعانة بصديق) الذي أصبح يحكم كل تعاملاتنا، حتى التي يمكن قضاؤها بشكل طبيعي ورسمي!.. وثانيها هو عشقنا الجارف لمنطق القوة والتباهي بكسر الأنظمة والقوانين حتى يتم تصنيفنا ضمن الأقوياء والمهمين.. وثالثها هو مسألة حفظ رصيد للصديق الوسيط نفسه عند المستفيد.. فالمسألة تصبح (سلف ودين) لابد من رده طالما كانت أكثر الأمور لا تسير إلا بهذا المنطق!. * المسميات لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فمهما أطلقنا على الواسطة من مسميات تظل هي الفيروس الأكبر والأشد خطرًا.. والنجاح الأكبر لأي مؤسسة هو أن يتجه إليها المواطن وهو واثق من قضاء مصالحه دون الحاجة للاستعانة بأي صديق. m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :