الأزمة الاقتصادية والتجاذب السياسي يحبطان التونسيينأكدت استطلاعات رأي تم إنجازها الشهر الحالي على أن التونسيين يعيشون حالة إحباط وتشاؤم متواصلة مردّها أوضاعهم المالية والاجتماعية المتردية والتي كانت نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وزاد الوضع تفاقما عدم قدرة الأحزاب على كسب ثقة الشعب.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/11/10، العدد: 10808، ص(4)]يتطلعون إلى تحسن الأوضاع تونس – خلّفت إجراءات قاسية أدرجتها الحكومة التونسية في مشروع الميزانية القادمة، للنهوض بالاقتصاد المتردي، قلقا لدى المواطن. وتراهن حكومة يوسف الشاهد على قانون المالية للعام القادم لرفع نسب النمو المتراجعة منذ 2011، لكن إقرار ضرائب جديدة زاد من مخاوف التونسيين لما له من انعكاسات على مقدرتهم الشرائية المتردية. وكشفت معطيات لمؤسسة “سيغما كونساي” المختصة في استطلاعات الرأي، أنجزتها بالتعاون مع صحيفة محلية، أن التشاؤم في تونس تجاوز مستوياته السابقة حيث بلغت نسبته خلال الشهر الحالي 78.9 بالمئة وهي ثاني أعلى نسبة منذ يناير 2015. وبلغ التشاؤم ذروته في شهر مايو الماضي بنسبة تقدر بـ81 بالمئة. وأشار سبر الآراء الذي أنجزته مؤسسة “سيغما” التونسية أن ارتفاع نسبة التشاؤم يعود إلى إحساس المواطن بأن وضعه المالي يتراجع مقارنة بالعام الماضي. وأكدت نفس المعطيات أن التشاؤم في تصاعد مستمر. وخفف خبراء من وطأة التشاؤم الذي يعيشه الشارع التونسي، واعتبروه أمرا طبيعيا بعد التغيرات السياسية التي عاشتها بلدان المنطقة إثر الثورات الشعبية وتغير أنظمة الحكم. وقال سامي نصر الباحث في علم الاجتماع، لـ”العرب”، إن “تشاؤم التونسي طبيعي فهو نتاج للثورة وللمرحلة الانتقالية التي تلتها”. ولفت إلى أن “من إفرازات الثورات ارتفاع نسب التشاؤم بسبب التغيّر الجذري الذي تعيشه البلاد”. وعاشت تونس منذ يناير 2011 أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة قادت إلى احتجاجات بمناطق عدة بالبلاد للمطالبة بفرص العمل والتنمية. وتابع نصر “الجيل الذي يصنع ثورة عادة لا يجني ثمارها بل تجنيها الأجيال اللاحقة، فمن يصنع الثورة يتحمل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها”.سامي نصر: لنخب السياسية لعبت دورا في تغذية تشاؤم المواطن التونسي وأضاف “أفرزت المرحلة الانتقالية أيضا الرغبة في تحقيق المطالب الاجتماعية في أسرع وقت ممكن، دون تخطي سياسة التدرج”. وعجزت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 على تلبية المطالب الاجتماعية بسبب الضغوط الاقتصادية. كما ساهمت النخب السياسية منذ تلك الفترة في حالة الإحباط بالشارع التونسي، حيث كشفت التجاذبات السياسية عن طموح للانفراد بالسلطة دون الالتفات إلى مشاغل المواطن الحقيقية. وأدّت المنافسة بين الأحزاب التونسية إلى تعثّر المسار الديمقراطي بالبلاد، رغم ما مثّلته تونس من نموذج ناجح بين كل دول الربيع العربي. وأنتج التجاذب السياسي عجزا لدى الهيئة العليا للانتخابات في تونس وجعلها تعيش أزمة بسبب عدم التمكّن من انتخاب رئيس لها، بالإضافة إلى إرجاء أول انتخابات محلية للبلاد منذ سقوط النظام السابق والتي كانت مقررة في ديسمبر القادم ليتم تأجيلها إلى مارس 2018. ودعا نصر إلى مساهمة كل الأطراف الاجتماعية والسياسية في إعادة الثقة للمواطن، بهدف تخطي حالة التشاؤم. وأوضح أن “ذلك يكون باعتماد خطة اتصالية قوية وتخصيص استراتيجية كاملة لإعادة الأمل”. واستطاع الشاهد استعادة ثقة ورضا الشارع بعد شن حرب ضد الفساد، ما أدى إلى تراجع نسبة التشاؤم بحوالي ثلاثين نقطة لتبلغ 52.1 بالمئة في يوليو الماضي. لكن ذلك لم يكن إلا انفراجا نسبيا، بحسب سبر الآراء الذي أنجزته مؤسسة “سيغما”، حيث عادت حالة التشاؤم مجددا لترتفع خلال نوفمبر الحالي. وذكرت نفس المصادر أن الهواجس الاجتماعية والاقتصادية تحتل صدارة أولويات التونسي ومن بينها مكافحة الفساد والحد من البطالة وتحسين ظروف العيش. وفي المقابل، تراجعت مكافحة الإرهاب إلى المرتبة الرابعة على قائمة الأولويات، بسبب نجاح أجهزة الأمن التونسية في محاربة التطرف وفي جهود استعادة استقرار البلاد. ولفت بشير الجويني المحلل السياسي، لـ”العرب”، إلى أنه “رغم نسب التشاؤم المرتفعة لا بد من الإقرار بأن هناك في تونس بعد الثورة مكاسب الحريات والتحرر من الدكتاتورية”. وأشار إلى أن “لا يستطيع أن يرى قيمة مكتسبات ما بعد الثورة في ظل المأزق الاقتصادي الذي يعيشه وأزمة القيادة في الحكومات المتعاقبة، وهذا ما يجعله في وضعية نفسية صعبة”. وأوضح “لكن كل ما سبق لا ينفي أن حالة الإحباط طبيعية ومتوقعة لنا كباحثين ومتابعين لفترات الانتقال الديمقراطي التي تتميز بارتفاع سقف التوقعات مقارنة بما يمكن إنجازه”. ورأى الجويني أن “ذلك يعود إلى عدم قدرة الطبقة الحاكمة بشقيها التشريعي والتنفيذي على مواءمة المطالب الشعبية مع مقتضيات تسيير الدولة”. وبحسب الجويني تبقى الثقة بين المواطن والسياسي مطلبا مشتركا يقتضي التزاما من الطرفين، وقبل ذلك رغبة منهما في تجاوز الفترة الانتقالية نحو ديمقراطية مستقرة. ووجدت الحكومة التونسية نفسها في مواجهة متغيّرات أربكت ميزانية الدولة الحالية، ومن بينها زيادة أسعار النفط وتدهور قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية. وفاقمت هذه المتغيّرات عجز ميزانية الدولية الحالية ليصل إلى 6.1 بالمئة، إلى جانب ارتفاع حجم الدين العمومي.
مشاركة :