عندما يتحول الجسد إلى قربان بقلم: لمياء المقدم

  • 11/16/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

المرأة ليست جسدا يحنط داخل دمائه ليقدم في نهاية المطاف لرجل قد يحترمه وقد يهينه، وجسدها ليس ملكا لسيد افتراضي، حاضر بالقوة منذ لحظة خلقها.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/11/16، العدد: 10814، ص(21)] خلال زيارتي الأخيرة إلى تونس التقيت أستاذة جامعية أربعينية لم يسبق لها الزواج، أخبرتني في معرض حديثنا عن الأبناء والزواج وتقدم العمر، أنها لا تزال عذراء وأنها لن تتخلى عن عذريتها إلا من أجل الرجل الذي ستتزوجه حتى وإن بقيت على هذه الحال إلى آخر عمرها. جربت هذه السيدة الحب في عديد المرات، لكنها لا تجد الحب مبررا كافيا للتخلي عن عذريتها التي ترتبط لديها ارتباطا وثيقا بالزواج. دوافعـها ليست دينية أو اجتماعية، كما قالت، وإن كان لهذين العاملين دور خفي بالتأكيد، بل هي قناعة شخصية ومبدأ لا تحيد عنه، وملخص فلسفتها أن العذرية هدية المرأة للرجل الذي ستتزوجه، والتي تخصه بها دون عن باقي البشر. ورغم احترامي لهذه السيدة المثقفة ولمبادئها وقناعاتها، إلا أنني شعرت بخيبة أمل حقيقية من إصرار سيدة في مركزها العلمي والتربوي على اعتبار الجسد قربانا يقدم طازجا بدماء نازفة لزوج مؤله قد يأتي وقد لا يأتي لاعتبارات تخصه، قبلت من أجله أن تضحي بعمرها كاملا في ما يشبه العقوبة القاسية على الجسد الذي فشل في أن يكون محط اهتمام رجل بعينه. ما شد انتباهي في حديث جليستي التونسية المتعلمة ليس إصرارها على الحفاظ على عذريتها فهناك الكثيرات مثلها ممن فرضت عليهن القيود الدينية والاجتماعية والتربوية هذا الخيار، لكن حالتها مختلفة، فهي رغم غياب كل هذه العوامل الخارجية الضاغطة تتبنى فكرة الحظر على جسدها بقناعة داخلية ومن منطلق ذاتي بحت. يشبه هذا أن تصوم شهرا كاملا تقرّبا من الله وطلبا لمغفرته، أو أن تنعزل في كهف لتتعبد وتصلي وتزهد في الحياة الدنيا طاعة في الخالق وتقربا منه. الخطر هنا يكمن في “تأليه” الزوج وتحويل جسد المرأة إلى هدية exclusive، صممت من أجله وحده وغلفت بأشرطة ملونة هي أشرطة العذرية المقدسة. أستطيع أن أغفر لامرأة عادية هذا التفكير الوثني وهذا التناول السطحي لجسد المرأة، لكنني بالتأكيد لا أستطيع أن أغفر لسيدة متعلمة ومثقفة وأستاذة جامعية تربي أجيالا مثل هذه النظرة الدونية للمرأة ولجسدها. هل خلقت المرأة من أجل أن تكون هدية وقربانا لرجل قد يأتي وقد لا يأتي؟ هذا سؤال جوهري يجب أن نسأله لأنفسنا. المرأة ليست جسدا يحنط داخل دمائه ليقدم في نهاية المطاف لرجل قد يحترمه وقد يهينه، وجسدها ليس ملكا لسيد افتراضي، حاضر بالقوة منذ لحظة خلقها، إلى لحظة موتها. الجسد كما العقل والفكر ملك لصاحبه فقط، هو الذي يقرر بشأنه وهو صاحب الكلمة الأخيرة عليه، ومجرد تحويله إلى أداة ترضية وتقرب وإشباع للغير هو نوع من العبودية. هذه ليست دعوة للتخلي عن العذرية، لأن العذرية جزئية بسيطة وهامش صغير وانعكاس عفوي لنظرة المرأة لجسدها وكيفية تعاملها معه، ولكنها دعوة لتحرير الجسد، وقبله الفكر، من تبعيته، ومن القيود التي يفرضها على نفسه، والأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تربط وجوده بوجود سيد ينتظره في منعطف ما من العمر (أو لا ينتظره) ليلبي له رغباته وميولاته. جسد المرأة أرفع من ذلك بكثير، هو بالأساس، عقلها الحسي الذي يقابل عقلها الفكري، ويجب عليها التعامل معه بذكاء شديد، وبحرص بالغ على الرفع من قيمته وإعلاء شأنه والتباهي بِه تماما كما تتباهى بمعارفها وعلومها ورقيها الفكري. كاتبة تونسيةلمياء المقدم

مشاركة :