استنكرت مصر قراراً سويسرياً بإيقاف التعاون القضائي معها، حول الأموال المهربة لدى بنوكها، بمعرفة رموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وقالت النيابة العامة المصرية أمس إن «القرار السويسري استند، بصورة قاطعة، لأسباب غير صحيحة»، مؤكدة أنها «تستهدف في حقيقتها التنصل من استرداد مصر أموالها المهربة المتحصلة من جرائم فساد».وفشلت الإدارات المصرية المتعاقبة، منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، التي أطاحت بمبارك، في استرداد أموال رجال النظام البائد، المجمدة في البنوك السويسرية، والتي تقدر بـ650 مليون دولار.ويُلزم القانون السويسري تقديم إثبات مبني على تحقيقات قضائية بأن الأموال الموجودة في الحسابات هي نتيجة جرائم أموال.وقالت النيابة المصرية إن «الأسباب التي ساقها الجانب السويسري تستهدف في حقيقتها التنصل من تطبيق نص قانوني جديد أقرته سويسرا على نحو كان من شأنه أن يتيح لمصر استرداد أموالها المهربة المتحصلة من جرائم فساد».وأشارت، في بيان أمس، إلى أن الجانب السويسري ذكر أنه تم الاستناد في غلق التعاون القضائي لسببين، أولهما: عدم إرسال وزارة العدل السويسرية لـ«بعض طلبات المساعدة القضائية المصرية» للنيابة العامة السويسرية لتنفيذها على سند عدم توافر المقتضيات اللازمة قانونا للتنفيذ في ضوء أحكام الاتفاقية الثنائية والتشريعات السويسرية بعدم وجود ما يفيد تورط الأشخاص محل تلك الطلبات في ارتكاب الوقائع محل التحقيقات الجنائية المصرية، وعدم تحديد الرابط بين الجرائم محل التحقيق في مصر بسويسرا.والسبب الثاني «أن وزارة العدل السويسرية أرسلت طلبات المساعدة القضائية المصرية الأخرى والخاصة بكل من سوزان ثابت، وعلاء مبارك، وهايدي راسخ، وجمال مبارك، وأحمد عز، وخديجة أحمد كامل ياسين، وعلاء محمد فوزي علي سلامة، وشاهيناز عبد العزيز عبد الوهاب النجار، وأحمد أحمد عز، وزهير محمد وحيد جرانة، إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها، غير أن العناصر اللازمة لتنفيذ تلك الطلبات لم تتحقق خاصة بعد صدور أحكام نهائية بالبراءة ولتقادم بعض الدعاوى.وقالت النيابة إن تلك الأسباب غير صحيحة على وجه الإطلاق، خاصة وأنه لا تزال هناك تحقيقات جارية حتى الآن بصدد الأشخاص محل طلبات المساعدة القضائية المرسلة من مصر للجانب السويسري، إلى جانب عدم وجود تصالح مع الأسماء المذكورة سلفا، بالإضافة لعدم انقضاء الدعاوى الجنائية بحق المتهمين أو سقوط العقوبة المقضي بها عليهم.وفي يوليو (تموز) 2016 بدأ سريان قانون سويسري جديد بشأن أموال الملوك والرؤساء. وبحسب القانون، فإن السلطات في البلد الأصلي لا يمكنها استخدام الأموال المجمدة في سويسرا قبل صدور حكم قضائي نهائي. ويهدف القانون لتجنب المخاطرة بإمكانية دفع الأموال مرتين (للدولة ولصاحب الحساب البنكي)، وذلك إذا سلمت الأموال للدولة لكن الحكم النهائي رفض ذلك.ولفتت النيابة المصرية لصدور أحكام قضائية بالإدانة ضد بعض المتهمين ممن وردت أسماؤهم بقرار النيابة العامة السويسرية أو ممن كانوا محلا لطلبات مساعدة قضائية، سبق إرسالها إلى السلطات السويسرية من قبل السلطات المصرية، ومن بينها الحكم الصادر بالإدانة بحق مبارك ونجليه علاء وجمال في القضية المعروفة إعلاميا بـ«الاستيلاء على أموال القصور الرئاسية».وذكرت النيابة أن محكمة الجنايات كانت قد أصدرت في مايو (أيار) 2015 حكما حضوريا بحق مبارك ونجليه بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات وتغريمهم متضامنين فيما بينهم 125 مليونا و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين بأداء مبلغ قدره 21 مليونا و197 ألف جنيه... وقد طعن المتهمون على الحكم أمام محكمة النقض التي قضت في يناير 2016 برفض الطعن موضوعا.كما ذكرت النيابة أنه يضاف إلى ذلك حكم الإدانة الصادر ضد محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، وكذلك رجل الأعمال محمد مجدي راسخ، وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، حيث قضت محكمة الجنايات حضوريا بجلسة 15 أبريل (نيسان) الماضي بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات، وإلزامه برد مبلغ 196 مليون جنيه وتغريمه مبلغا مساويا.وأوضحت النيابة أنه كان ينبغي بمقتضى القانون السويسري أن تقوم الحكومة السويسرية بإصدار قرار إداري بالتحفظ على الأموال تمهيداً لمصادرتها إداريا وإعادتها إلى الدولة المعنية.وأشارت النيابة إلى أن السبب الحقيقي وراء غلق الجانب السويسري للتعاون القضائي، هو حكم المحكمة الفيدرالية الجنائية الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2012، والذي كان قد علق الإنابات القضائية المصرية، وإن كان لم يتم ذكره صراحة في أسباب غلق التعاون القضائي.وأوضحت النيابة أن هذا الحكم (إبان فترة حكم الإخوان) استند إلى عدم وجود استقرار مؤسسي بسبب قرارات رئيس الجمهورية في ذلك الوقت بعزل النائب العام، وعدم احترام الأحكام القضائية، وتحصين قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، الأمر الذي ارتأت معه المحكمة أن هناك توغلا من السلطة التنفيذية (وقتئذ) على السلطة القضائية، وهو ما يترتب عليه عدم الاعتداد بالتعهدات المقدمة من السلطة المصرية.وأوضحت النيابة أن هذا الحكم افترض استمرار وضع قانوني معين في مصر يتصل بملف استرداد الأموال المصرية، وهو وضع أتى مخالفا للواقع، حيث استقرت حاليا مؤسسات الدولة المصرية بوجود رئيس منتخب، وتشكيل برلمان منتخب، بالإضافة إلى الاستقرار المؤسسي للدولة.
مشاركة :