"صخب الأشجار التي تسقط" أداء جسدي ومواقف مضحكة بقلم: أبو بكر العيادي

  • 11/27/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

صخب الأشجار التي تسقط أداء جسدي ومواقف مضحكةفي مسرحية “صخب الأشجار التي تسقط” التي تعرض على خشبة مسرح “الباستيل” بباريس، تواصل الفرنسية نتالي بياس الاشتغال على ثيمة الجماعة، إخوة أم زمرة، والصعوبة التي تواجهها في أن تحيا حياتها وتعبر عن مشاغلها، وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض، وعلاقة الفرد بالطبيعة، بطريقة تعتمد على التعبير الجسدي والمواقف الهزلية.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/11/27، العدد: 10825، ص(16)]أحلام تختلط بالكوابيس يبدأ عرض مسرحية “صخب الأشجار التي تسقط” للمخرجة الفرنسية نتالي بياس التي تعرض حاليا على مسرح “الباستيل” الباريسي بظهور ثلاثة رجال وامرأة وسواد الحزن يظلل وجوههم، على خشبة خالية إلاّ من غطاء سميك من البلاستيك الأسود وباقة أزهار ضخمة في ركن، وسرعان ما ينتفخ الغطاء كأنما نفخت فيه الريح، وفق تقنية بكرات تحركها الشخصيات الأربع، فيميل ناحية الجمهور مثل موجة توشك أن تتكسر على الصخر، ثم يرتدّ، ويعاود الكرة مرارا على وقع السيمفونية الخامسة لغوستاف ماهلر، تلك التي استعان بها فيسكونتي في شريط “الموت في فينيسيا”، ثم يتناهى صوت هطول المطر بشدة، وقعقعة شجرة تنهار. طوال تسع دقائق يظل الغطاء يعلو وينخفض، ويتحوّل إلى موج صاخب، ثم إلى غيمة، فستارة، في شكل باليه تجريدي كمدخل صامت اختارته نتالي بياس لتهيّـئ الجمهور لعرض سيكون عبارة عن متتالية لحظات شعرية لا يربطها رابط درامي أو سردي، بل تأتي في شكل ومضات متواترة، وحكايات منفصلة عن بعضها بعضا، يتخللها لهو، ورقص غير قليل. فالأبطال الأربعة، وليس ثمة ما يدل على كونهم من نفس العائلة سوى أعمارهم المتقاربة، يتناوبون على سرد حكايات مبتورة، كل من جهته، ولكن سرعان ما ينخرطون في مشهد جديد لا علاقة له بالسابق، يقوم على التمثيل حينا، والرقص حينا آخر، والتهريج في أغلب الأحيان، على طريقة بهلوانات السيرك ومهرجيه.نتالي بياس: أعمل بطريقة مرحة لاهية، حتى وإن كان الموضوع يتناول أحداثا درامية ومن تلك المشاهد مثلا، مشهد أحد الأبطال وهو يتلقى دلاء الماء على جسده من أكبرهم سنا، في جو يوحي بالظلمة والمطر المدرار، أو مشهد ظهور الممثلين وهم يتحركون كالعناكب، معلقين في جدار بعمق الخشبة، دون سند أو ركائز، أو مشهد امرأة تمشي وهي تحمل حقيبة، وما تكاد تتوقّف حتى تنفتح الحقيبة وينسكب منها حصى أبيض، تنحني لجمعها واحدا واحدا، ولكن الحصى لا يني ينهال، وللمتفرج أن يتأوّل ذلك كما يشاء، ولو أن هذا التكرار في شكل حلقة مفرغة يعد من عيوب الأفلام غير السردية، ولكن المخرجة هنا تتمسك بها كتقنية تحفّز على التفكير. ولا يفهم المتفرج بالضبط طبيعة هذا العمل، حتى الخشبة غريبة، فهي أشبه ببيت سطوح يتجمّع فيه الأطفال للهو، بطريقة غريزية لا تخضع لتخطيط مسبق، بهفواتهم وبساطتهم وعفويتهم، فيجرون حتى يدركهم التعب، ويتنكّرون ما شاء لهم التنكّر، ويختبئون تحت كوم من الرمل، أو خلف أوراق الشجر ليمثلوا دور عجوز أو شجرة تمشي، ويحاولون، من وراء ذلك كله، تصوير حال أناس يبحثون عن توازنهم في خضم الحياة الصاخبة، دون أن يفقدوا علاقتهم بعناصر الطبيعة، أو هكذا كانت نيّة المخرجة صاحبة العرض بكل تفاصيله، حسبما ورد في تصريحاتها، فالغاية الأساس خلق مناخ عام تختلط فيه الأحلام بالكوابيس، ويستخلص منه المتفرج متعة عابرة، أو دائمة إذا استطاع أن ينفذ إلى مرامي هذا العمل الغريب لتأويله وفق مرجعيته الخاصة. هذا العرض ليس رقصا خالصا، رغم المهارات الجسدية التي أظهرها الممثلون، ولا مسرحا خالصا برغم أدائهم لمقاطع من مسرح مارغريت دورا، وغرتروده شتاين، وشكسبير، وقصيد للهنود الحمر، وآخر لجاك بريل باللغة الهولندية، ذلك أن المخرجة، وهي فنانة تشكيلية ومتخصصة في فن السينوغرافيا أيضا، تخرجت في معهد الفنون الجميلة ثم في معهد الفنون الدرامية بمدينة أنجيه الفرنسية، ركزت على الناحيتين السمعية والبصرية، رغبة منها في إضفاء نفَس شاعري يجمع بين الموسيقى، حتى الصاخب منها كالموسيقى “التكنو”، والحزين كتلك التي رافقت مأتما جنائزيا، وبين الظواهر الطبيعية كالمطر وتكسر الأشجار وسقوطها على الأرض. بيد أن الخطاب المنطوق، بما في ذلك النصوص المختارة، لا يتوصّل إلى الاندماج في العمل بيسر، فما تفرضه المادة والرقص بعفوية، في بدهيتهما المطلقة، يخفق الصوت الآدمي، المقحم بتعسف، في تحقيقه. ومهما أبدينا تفهمنا لمحاولة إعادة خلق جماعة بشرية تكسر الحواجز والحدود وتنطق بلغات متنوعة على غرار برج بابل في الأساطير القديمة، فإن المنطوق هنا يسيء إلى ما تولده الصور، ويغادر المتفرج العرض وفي ذهنه نفس الانطباع الذي تولّده لديه مشاهدة عروض بهلوانية في سيرك، لا يحتفظ من العرض بشيء ذي بال، عدا انبهاره بلوحات الفرجة لحظة أدائها. وكأن نتالي بياس تستبق ردة الفعل هذه، حين تقول “نصي ليس نصا مكتوبا ولا منطوقا، بل هو حصيلة عناصر الطبيعة، والناس، والموسيقى، والضوء، والألوان، وكل ما له رنين وأصداء في حياتنا اليومية، أعمل بطريقة مرحة لاهية، حتى وإن كان الموضوع يتناول أحداثا درامية، وأجد متعة في اللعب كالأطفال، وابتكار أشياء من محيطي، وتقليد أصوات وأنغام، مع السعي دائما إلى الحفاظ على علاقة عضوية بالمواد الطبيعية، كما هو الشأن في هذا البلاتوه”.

مشاركة :