أكرم عطا الله يكتب: ندفع ثمن شيوخ الفتنة وملاحقة المثقفين

  • 11/29/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لن تزول سريعا جريمة مسجد الروضة يوم الجمعة الماضي، فقد تمت إبادة رجال قرية ولم يبق سوى النساء، من فعلها كان يعرف ذلك، ويعرف أنه أصاب قرية هادئة بهذا العطب المؤلم، لكن الجريمة الكبرى ربما تفتح نقاشا أكبر حول فكرة القتل الجماعي، والتي تدور في عواصم الإقليم منذ سنوات، هل هي فكرة عابرة أم فكرة متجذرة لها آباء ومنظرون احتلوا المشهد خلال سنوات سابقة. القتل هو القتل جريمة لا تحتمل أي تبرير، وعصية على التفسير، إلا إذا لبست ثوب الفضيلة زورا، وهذا ما حدث أمام أعيننا لسنوات، ودفنا رؤوسنا جميعا في التراب، محاولين تجاهل بذرة العنف والانحراف، بل وأفسح له مجالا في الفضاء العام، وتحت رعاية المؤسسات الرسمية العربية، التي سعت للتقرب من بعض منظري فكرة العنف باسم الدين. منذ أسبوع فقط أدرجت أربع دول عربية هيئة علماء المسلمين كمنظمة إرهابية، هذه المنظمة تداعت للاجتماع في القاهرة قبل أربع سنوات، وأعلنت على لسان أحد كبارها الشيخ السعودي محمد العريفي بيانا قررت فيه وجوب الجهاد في سوريا، إلى جانب المنظمات المتطرفة هناك، أثناء احتفال الإعلان كان الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الهيئة يلوح بعصاه على ألحان أغنية جهادية تلهب الشباب، تدعوهم كلماتها بترك العائلة والأولاد، وهذا ما تناوله الداعية السوداني مزمل فقيري بالسخرية، وهو يعلق “لا أحد فيهم خرج للجهاد الذي أعلنوه”. الجهاد بمفهومه حينها كان يعني الانضمام لمنظمات مارست كل أنواع العنف في سوريا، قتلت وعذبت وقطعت رؤوس، قاتلت الجيش والنظام، وقاتلت بعضها، فجرت بين المدنيين، أي أغرقت سوريا بالدم، الذي نشهد نهاية العنف متزامنا مع نهايتها هناك. فقط منذ شهرين تنبهت السعودية إلى أن شيوخ الجهاد والدعوة فيها ومنظري الوهابية يشكلون خطرا على السلم الأهلي فقامت باعتقالهم دون أن تأبه لتلك الهالة التي صنعها لهم الإعلام الرسمي العربي، الذي يدفع الآن ثمن ذلك، ومن هؤلاء محمد العريفي وسلمان العوة وعوض القرني، القرضاوي واحدا من الذين أربكوا المشهد العربي خلال السنوات الماضية من الإشادة بالزعيم الليبي معمر القذافي، ومتعة التقاط الصور معه، ثم الانقلاب وإصدار فتوى جواز قبل القذافي، ومن الإشادة بالرئيس السوري بشار الأسد إلى الانقلاب، وطلب النصرة من أمريكا لضرب سوريا، كما قال في إحدى خطب الجمعة هذا بعد أن كان قد حذر سابقا من تعرض سوريا لمؤامرة وهكذا. النتيجة التي أمامنا بحر من الدم، ربما لن تكون آخر أحداثه مسجد الروضة، لكن التنظير خلال السنوات الماضية من قبل شيوخ أفتوا بالقتل، كان يمهد أرضية الإقليم لكل هذه الصراعات كل هذا تم تحت رعاية النظام العربي الرسمي، الذي كان يلاحق مثقفي الدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان. إن كل مشايخ الانحراف توفرت لهم كل مناخات النجاح للتنظير والتكفير استقبلهم ملوك العرب وقادته” القذافي والاسد نموذجا” فتحوا لهم القصور وخزائن المال والمنابر والفضائيات والساحات فيما أن كثير من المثقفين العرب دعاة التنوير لاحقتهم الأنظمة وأجهزة أمنها، فمنهم من سكت عن الكلام، ومنهم من فر طريدا من أوطان العرب هاربا إلى أوروبا، وها هو الوطن العربي والشعوب العربية تدفع ثمن هذا الخطأ، لتدرك السعودية متأخرة خطورة منظري الوهابية وتبدأ بعلاج ظاهرة تمكنت من نشر كل هذا العنف في المنطقة. لماذا احتضن النظام الرسمي العربي شيوخ الفتاوى ولاحقوا المثقفين وما زالوا يلاحقونهم؟ هناك إجابة واحدة أن النظام العربي كان أقل ذكاء من إدراك خطورة منظري الوهابية على المدى البعيد والذين لم يقوموا بانتقاد الأنظمة إلا عندما بدت لهم أنها بدأت تتهاوى بل كانوا يمدحون زعماؤها في الوقت الذي كانوا يزرعون بذرو القضاء على النظام وعلى الدولة المدنية. أما المثقفون فقد كانوا ينظرون للدولة المدنية والديمقراطية وينتقدون الحاكم، وهذا ما اعتبرته الأنظمة يشكل خطرا عليها، وهذا لم تكن الدولة هي المهمة في عقل النظام، بل الحكم الآني لا الوطن ومؤسساته واستقراره، بل استقرار النظام. ما بين رجل التكفير الذي فتحت له الأنظمة أذرعتها، ورجل التفكير الذي لاحقته تلك الأنظمة، جرت وديان الدم على الأرض العربية لتصحو النظم بعد فوات الأوان، بعد أن ترسخت فكرة القتال والجهاد ضد بعضنا البعض، وقتل العربي للعربي في الشوارع والمساجد، كلٌ يقتل باسم الله، وباسم الوطن، ليبدأ العلاج بعد فوات الأوان، بدأت عملية إسكات الفتنة، ولكن بالمقابل لا أحد يتحدث عن الدولة المدنية.. مازلنا بحاجة إلى حوار مختلف..!   للتواصل مع الكاتب Atallah.akram@hotmail.com

مشاركة :