حمادة فراعنة يكتب: قراءة لوقائع إجتماعات المصالحة الفلسطينية ـ 1

  • 12/1/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حركة فتح حصلت على كل ما تريد.. وغابت الشراكة وتأجلت خطواتها     بشكل مهذب أكثر مما يجب وصف جميل مزهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نتائج الحوار الفلسطيني الذي أنهى أعماله في القاهرة بعد يومي عمل 21 و 22 تشرين الثاني نوفمبر 2017، على أنه ” لم يكن بالمستوى المطلوب، ودون تطلعات وطموح الشعب الفلسطيني “وتم رسمه” كخطوة بديلة للفشل، واستعرض جلسات العمل على أنها “ناقشت العديد من الملفات ولكن دون وضع جداول زمنية لتحقيقها وتنفيذ مضامينها”، بينما لخص صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حصيلة الحوار بوضوح ونقد أقوى بعد أن شارك في جلساته بقوله:”خرجنا بإتفاق بلا معنى، وبلا آليات تطبيق”، ووصف البيان الصادر عن الإجتماعات على أنه “غامض وغير قابل للتطبيق في المدى المنظور”. ما قبل الإجتماع زار اللواء ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية قطاع غزة يوم 17/11/2017 قبل أيام قليلة  من إجتماع القاهرة، حاملاً رؤية الرئيس محمود عباس وما سيقدمه وفد حركة فتح وما سيلتزم به أمام وخلال إجتماع الحوار الفلسطيني للفصائل الأربعة عشر، والتقى رئيس حركة حماس يحيى السنوار وأبلغه رسمياً طلب “تأجيل النظر في الملفات التي يتضمنها جدول أعمال حوار القاهرة الفلسطيني” وهي ملفات : 1- منظمة التحرير، 2- الإنتخابات، 3- تشكيل الحكومة، 4- عمل المجلس التشريعي”، وتفسيره لذلك بشكل واضح وجلي لأن “فتح غير جاهزة لأخذ قرارات بشأنها” وهذا يعود لأن المناخ السياسي السائد في المحيط العربي، وعلى المستوى الدولي، لا تساعد على إتخاذ مثل هذه القرارات، ولذلك مطالبة فتح لحركة حماس بمواصلة التمسك بنجاح خطوات المصالحة ومراكمتها عبر إشاعة أجواء التهدئة، وإقتصار النقاش والحوار والتوصل إلى إتفاق كامل بشأن “تمكين الحكومة من إستكمال سيطرتها الإدارية والمالية والأمنية على قطاع غزة” أسوة بما هي عليه في الضفة الفلسطينية. حركة حماس من جهتها كما عبر عن ذلك يحيى السنوار لضيفه موفد الرئيس محمود عباس إلى غزة، مطالباً حركة فتح بالإلتزام بما تم الإتفاق عليه في إجتماع القاهرة، وإحترام مخرجات اللقاء الثنائي بين فتح وحماس يوم 12/11/2017، والإبقاء على جدول الأعمال المتفق عليه، مع تأكيد “ضرورة دفع حركة فتح للإستحقاقات المطلوبة منها نحو الشراكة الوطنية، ورفع العقوبات عن أهالي قطاع غزة، وتطبيق بنود توظيف الموظفين وتسكينهم وتغطية رواتبهم”. ورغم معرفته المسبقة بموقف حركة فتح، لم يتردد يحيى السنوار من الوصول إلى القاهرة مع رفاق وفده برئاسة صالح العروري، وأن “لا رجعة عن المصالحة الفلسطينية” مبيناً في لقاء نظمه مركز مسارات على “ضرورة طي صفحة الإنقسام لأنها شكلت صفحة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأن حركة حماس ستعمل على تذليل الصعاب نحو مصالحة حقيقية “وصولاً إلى تحقيق “الشراكة الوطنية” بإعتبارها الرافعة للمشروع الوطني الفلسطيني، فالمصلحة ومن ثم الشراكة ليستا شأناً فتحاوياً أو حمساوياً، أو فصائلياً، بل يجب أن تكون عنواناً وقضية لكل فلسطيني. في دمشق وقبل وصولها إلى القاهرة، أعلنت خمسة فصائل مجتمعة ( الشعبية والديمقراطية والجهاد والقيادة العامة والصاعقة) عن ترحيبها بإتفاق المصالحة الذي توصلت إليه فتح مع حماس برعاية مصرية يوم 12/11/2017، مطالبة الإلتزام بجدول الأعمال بما تم الإتفاق عليه مطالبين التأكيد على: أولاً – مضمون الإتفاقات السابقة لدورات الحوار الفلسطيني وخاصة : 1- إتفاق القاهرة أذار 2005، 2 – وثيقة الإتفاق الوطني غزة 2006، 3- إتفاق القاهرة أيار 2011، إتفاق القاهرة 2013. ثانياً – مراجعة أوضاع منظمة التحرير، بما في ذلك إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني عبر الإنتخابات وفق نظام التمثيل النسبي، وعقده خارج فلسطين، ودعوة اللجنة التحضيرية التي إجتمعت في بيروت خلال كانون الثاني يناير 2017.   إقتراح مميز لحزب الشعب بسام الصالحي، أمين عام حزب الشعب الفلسطيني، أكد على أن القضية المركزية المطروحة في حوار القاهرة تتلخص في تعزيز ما تم الإتفاق عليه من خطوات لإنهاء الإنقسام، وهذا يتطلب أولاً تنفيذ الإلتزامات المرتبطة به، مثلما يتطلب ثانياً بحث آلية تطبيق إتفاق 2011، وأبرز ما تم تضمنه: معالجة الإنتخابات ومنظمة التحرير والأمن والمصالحة المجتمعية والحريات إضافة إلى الذهاب لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ولكن بسام الصالحي كشف أنه يعرف ويلمس أن إجتماع القاهرة لن يتسنى له بحث هذه الموضوعات والخروج بخلاصات محدودة إزائها في هذه الدورة من الحوار، ولذلك تصبح القضية الرئيسية بالنسبة له هي “منع الارتداد عما تم التوصل له حتى الآن أولاً، وتطوير جهد جماعي لمعالجة حقيقية وجادة للملفات المذكورة، بإرادة سياسية للتخلص من مظاهر الإنقسام، والتقدم إلى الأمام نحو الشراكة الوطنية”. أما الجديد الذي قدمه بسام الصالحي فهو أهمية “إعادة بلورة إجماع على الإستراتيجية السياسية والإنطلاق منها لتناول القضايا الأخرى التي تخص النظام السياسي بمجمله، سواء في إطار منظمة التحرير أو واقع سلطتها الوطنية ومستقبلها، وفى هذا الإطار ضرورة البناء على قرار الأمم المتحدة الخاص بالاعتراف بدولة فلسطين 19-67 الصادر عام 2012، وحيث أن القيمة السياسية لهذا القرار تجعل القضية المركزية هى الإستقلال وإنهاء الاحتلال، إضافة إلى إستعادة حقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار 194، وبمعنى آخر تجاوز اتفاق أوسلو وعدم البقاء في إطاره بالانتقال نحو المضمون السياسي والعملي لحقيقة الاعتراف بدولة فلسطين، ويمكن للحوار أن يتناول المسائل الأخرى بما في ذلك مقترح تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين، يتشكل من أعضاء المجلسين التشريعي والمركزي لمنظمة التحرير، إلى حين إجراء الانتخابات ونحن لا نرى أُفقا حقيقيا للخروج من دائرة التعقيدات السابقة لقضايا الحوار، ما لم نتجه لطرح مقاربة أخرى تنطلق من هذا المضمون رغم رغبتنا ودعمنا لأى تقدم ممكن في قضايا الحوار”. محور حركة فتح ونجاحها في فرض رؤيتها عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وصل القاهرة مسلحاً بقوة الشرعية التي يملكها الرئيس محمود عباس، ونجاحاته السابقة في إحباط تجربتي وساطة مصرية أولها اللقاء الثنائي مع الرئيس السيسي يوم 8/11/2015، والثانية لقاء رباعي مصري أردني سعودي إماراتي، مع خمسة أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح يوم 26/8/2016، ومع ذلك لم تُسفر تلك الإحباطات عن نتائج سلبية واجهت حركة فتح بل عززت من تماسك وجهة نظرها ورؤيتها الأحادية معتمدة على تمسكها بالشرعية وإنحياز الفصائل الفلسطينية التي لا تملك حرية قرارها السياسي والمالي في ظل معطيات وخيمة فرضتها نتائج الحرب الباردة على المستوى الدولي، وإحتلال العراق على المستوى القومي، والحروب البينية العربية والربيع العربي التي دمرت وأضعفت مصر مع باقي البلدان العربية. في ظل المعطيات وإستناداً إلى توفر مساحة من التفاهم والتوافق الأميركي الإسرائيلي مع ما تقدمه حركة فتح من قضية تمكين حكومة رامي الحمد الله من فرض ولايتها وأمنها وأسلوب إدارتها على قطاع غزة كما تفعله في الضفة الفلسطينية، جعلت موقف فتح قوياً مسنوداً بشكل غيرمباشر من قبل الأميركيين وبما لا يتصادم مع الإسرائيليين، مما وفر لوفدها وجاهة الطرح وشرعيته، وتصلبه في التمسك بإقتصار جدول الأعمال على نقطة واحدة عنوانها “تمكين الحكومة من إستلام كافة الدوائر والمؤسسات بعد أن تعذر ذلك في وزارة التعليم وسلطة الأراضي إضافة إلى الأمن مما يفرض إستحالة رفع العقوبات عن قطاع غزة مطالباً التركيز على هذا العنوان من جدول الأعمال دون الإنتقال إلى الإستحقاقات الأخرى”، كما أعلن وخاطب عزام الأحمد مؤتمر الحوار في القاهرة. الموقف المصري الذي يفتقد أوراق قوة ضاغطة، تمكنه من فرض رؤيته، وحرصه على إنجاح الحوار وعدم إفشاله، وإلتزامه الحياد بين الأطراف المختلفة وصل إلى تفاهم يقوم على جدولة جدول الأعمال، وإلى قرار إرسال وفداً مصرياً ليشرف بشكل مباشر على مظاهر تمكين حكومة الحمد الله من قطاع غزة، ونقل موضوعات الحوار نحو اللقاء الثنائي بين فتح وحماس في الأول من كانون أول 2017، إلى اللقاء التالي للفصائل المجتمعة، في الأول من شباط 2018، وبذلك أنهى اللقاء ببيان لم يتضمن إجراءات بل كرر نظرياً ما سبق وأن تم الإتفاق عليه.   البيان الختامي بعد التصدير الكلامي وترحيب المجتمعين بالإتفاق الذي تم يوم 12/10/2017، بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية، عبر الجميع عن دعمهم لهذا الإتفاق، بإعتباره عملية لإنهاء الإنقسام بجميع جوانبه، وأكدوا على ضرورة التنفيذ الأمين والدقيق لكل بنوده وفق التواريخ المحددة فيه، وصولاً إلى إضطلاع الحكومة بمسؤولياتها وواجباتها كاملة وفقاً للقانون الأساسي والقوانين والأنظمة الفلسطينية المعمول بها في فلسطين، وحفاظاً على وحدة النظام السياسي والديمقراطي الموحد والتداول السلمي للسلطة. كما أكد الإجتماع على أهمية العمل الجاد من أجل تذليل أية عقبات أو عراقيل تعترض جهود الحكومة للقيام فوراً بواجباتها ومسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإنهاء معاناته في مختلف المجالات المعيشية والصحية والتعليمية والخدمية بما فيها مشاكل الكهرباء والمياه وإعادة الإعمار، وبذل الجهد لتذليل كل العقبات على المعابر الفلسطينية بما يؤمن حرية الحركة والتنقل. وإستعرض الإجتماع محاور إنهاء الإنقسام وآلية معالجتها: أولاً منظمة التحرير: أكدوا على ضرورة الإسراع بخطوات تطوير وتفعيل منظمة التحرير وفقاً لإعلان القاهرة 2005، ودعوة لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير للإجتماع لتحقيق ذلك (بدون تحديد موعد لعقد هذه اللجنة). ثانياً الحكومة: التأكيد على ضرورة ممارسة الحكومة لصلاحياتها في قطاع غزة والقيام بمسؤولياتها، وتنفيذ إتفاق 12/10/2017، بين حركتي فتح وحماس بهذا الخصوص، ومناقشة تعزيز وضعها ( النقطة الوحيدة التي إستأثرت بلإهتمام تحت عنوان” تمكين الحكومة من إستكمال سيطرتها الإدارية والمالية والأمنية على قطاع غزة أسوة بما هي عليه في الضفة الفلسطينية”. ثالثاً الحريات: دعوة الحريات التي تشكلت وفق إتفاق المصالحة الموقع يوم 4/5/2011، لإستئناف أعمالها فوراً في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. رابعاً المصالحة المجتمعية: دعوة لجنة المصالحة المجتمعية لإستئناف عملها والعمل على تقديم التسهيلات والمتطلبات المادية والمعنوية والقانونية لإنجاز مهامها ( أعلنت اللجنة المشكلة من تيار الإصلاح الديمقراطي لدى فتح مع حركة حماس عن إستقالتها وتوقف عملها بعد أن أنجزت ملفات 140 أسرة من أصل 400 عائلة متضررة، بسبب الصدمات والمواجهات في شهر حزيران 2007، والآن من أين ستحصل اللجنة الجديدة على المال اللازم لتغطية وجبر الضرر، بعد أن وفره النائب محمد دحلان من دولة الإمارات العربية). خامساً الإنتخابات العامة: دعوة لجنة الإنتخابات المركزية والجهات المعنية لإنجاز كافة أعمالها التحضيرية لإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني المتزامنة في موعد أقصاه نهاية عام 2018، وتخويل الرئيس محمود عباس لتحديد موعد الإنتخابات بعد التشاور مع كافة القوى والفعاليات الوطنية والسياسية. سادساً الأمن: التأكيد على سيادة القانون وحفظ الأمن والإستقرار بما يصون أمن الدولة والمواطن وفقاً لإتفاق المصالحة عام 2011، والمباشرة فوراً بتنفيذ ذلك وفق ما تم الإتفاق عليه يوم 12/10/2017. (لا ذكر للإحتلال وما يفرضه من تحديات أمنية وإجراءات عقابية وتدمير لحياة الفلسطينيين، وذكر الأمن وكأنه في دولة مستقلة كاملة السيادة وليست دولة محتلة فاقدة لكامل سيادتها). سابعاً المجلس التشريعي: يدعو المجتمعون الكتل والقوائم البرلمانية في المجلس التشريعي لتنفيذ ما تم الإتفاق عليه بشأن تفعيل المجلس التشريعي وإستئناف أعماله الإعتيادية. (لا ذكر لمطالبة الرئيس لدعوته وإتخاذ قراره فوراً لعقد المجلس التشريعي، تنفيذاً لقرار المجلس المركزي الفلسطيني الصادر يوم 26/10/2009، الذي أكد على تمديد الولاية لمؤسستي السلطة الفلسطينية وهما: مؤسسة الرئاسة ولمؤسسة المجلس التشريعي، وهما قد فقدتا ولايتيهما بإنتهاء فترة ولايتيهما لأربعة سنوات وباتا بالضرورة تحتاجان لتجديد شرعيتيهما بالإنتخاب، ولما تعذر إجراء الإنتخابات بسبب الإنقلاب والإنقسام، جدد المجلس المركزي الولاية للمؤسستين معًا، والواقع أن مؤسسة الرئاسة تعمل إعتماداً على تجديد ولايتها بقرار من قبل المجلس المركزي الفلسطيني، ولكن المجلس التشريعي معطلاً، ودعوته للعمل وفق النظام الأساسي يتم بقرار وبدعوة من الرئيس، ولذلك تفتقد السلطة حالياً للتوازن المطلوب بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية مما يستوجب الإنتخابات للمؤسستين قبل نهاية العام 2018، هذا إذا تمت الإنتخابات ولم يتم تأجيلها لسبب أو لآخر). والنتيجة في النهاية حصلت حركة فتح في إجتماع الحوار يومي 21 و 22 /11/2017، على ما تريد، ولم تحصل باقي الأطراف المجتمعة على أي مما تريد، وتم تغييب خطوات الشراكة الوطنية عن منظمة التحرير وعن سلطتها الوطنية، وتم تأجيل باقي الملفات بإستثناء ملف واحد وحيد وهو تمكين الحكومة من إستكمال سيطرتها على قطاع غزة. وباتت إستخلاصات حركة فدا هي الجديرة بالقراءة حيث شددت على ضرورة “الحديث بجرأة أن الإستسلام للمفاوضات والإتفاقيات الثنائية بين فتح وحماس والتي كان من ضمنها الإتفاق على آلية تنفيذ إتفاقية القاهرة في أيلول سبتمبر 2014، ولم تثمر ولم تؤد إلى حلول لترجمة وتطبيق إتفاق المصالحة الموقع عام 2011، ولذلك إن إنجاح الحوار الوطني يتطلب المكاشفة والمصرحة بروح نقدية لأسباب الفشل وتكراره، ومن يتحمل مسؤوليته، حتى لا نقع في فخ التراجع مرة أخرى عن ما جرى التوقيع عليه، كي لا نُخيب آمال الشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير ولا يزال، نتيجة هذا الإنقسام، إضافة إلى ضرورة إستعادة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية الذي تراجع على مدار سنوات الإنقسام”.     h.faraneh@yahoo.com * كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

مشاركة :