في حكايات "ألف ليلة وليلة"، يكتفي شهريار بأن يكون ملكاً، يعيش مغامرات الحكاية، مستمعاً إلى شهرزاد، ووحدها هذه الراوية الماهرة، شهرزاد، تأخذ شهريار والقارئ معه في كل زمان ومكان، تأخذه إلى خبايا الحكاية، إلى خبايا العيش المدفونة في ضجيج اللحظة العابرة. لكنها، شهرزاد، تعرف كيف تبهّر حكاياها، وتعرف كيف تترك ذاك الملك فاغراً فاه، مستمعاً مأخوذاً بالحكايات، حتى إنه ينسى القتل في سبيل الاستماع إلى الحكاية. وهكذا تقف الحكاية وجهاً لوجه أمام السيف، فتثلم حد السيف، وترمي به بعيداً عن رقبة الراوية. فالحكاية هي الوجه الآخر للواقع، وهي الوجه المدهش الذي يسعى الإنسان لاكتشافه والوقوف على خباياه. جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، التي أطلقها الملتقى الثقافي، بالشراكة مع الجامعة الأميركية في الكويت، أعلنت أمس الأول (4 ديسمبر 2017)، فوز القاصة شهلا العجيلي بجائزتها للدورة الثانية. وإذا كان اختيار لجنة التحكيم هذا قد لاقى قبولاً واستحساناً مُنقطعي النظير بالنسبة لحضور الحفل، فإنه يحمل دلالات كبيرة، ومهمة على مشهد القصة القصيرة العربية، وأوضح ما في هذه الدلالات أننا نقف أمام شهرزاد للقصة القصيرة العربية. لقد تقدمت 240 مجموعة قصصية لجائزة الملتقى في دورتها الثانية، ومن بينها مجموعة "سرير بنت الملك" لشهلا العجيلي، لتحتل الصدارة، ولتقول بشكل جلي، إن شهلا باتت تتمدد على سرير القصة القصيرة العربية. ولأن شهلا تكتب الرواية أيضاً، فإن فوزاً مستحقاً لها يأخذ بزمام قلمها لمزيد من العطاء القصصي، ويومئ للناشر والقارئ العربي، بأن القصة القصيرة، هذا الفن الصعب والمدهش قادر على أن يستحوذ على امرأة، ويتوجها ملكة على ساحة القصة القصيرة العربية. إن أهم ما يمكن أن يُحسب لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، أنها أعادت شيئاً من الألق والحضور لفن القصة القصيرة العربية. فبشهادة الكثير من الكُتاب والناشرين العرب، حرَّكت الجائزة هدوء وصمت كاتب القصة العربي، وكانت حافزاً مهماً له وللناشر العربي للالتفات مجدداً لفن آسر احتل الساحة الإبداعية العربية لعقود خلال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات. شهلا العجيلي، ومنذ إعلان اسمها فائزة بجائزة الملتقى للقصة القصيرة، ما عادت هي شهلا ما قبل ذلك. فهذا الفوز يجعلها تحمل على كتفيها القصة القصيرة العربية، وقضايا القصة، وعوالم القصة، ومبدعي القصة، وخاصة أن مجموعتها الفائزة ستُترجم إلى اللغة الإنكليزية، وربما الفرنسية، وبالتالي سيُؤمن لها ذلك لقاءً مهماً مع قارئ مختلف، قارئ على الضفة الأخرى من المشهد الإبداعي والثقافي العربي. وكم تبدو الدلالة واضحة في أن تحمل كاتبة عربية هذه المهمة الثقيلة، وتتشارك مع زميلها مازن معروف، الفائز بالدورة الأولى، في أن يكونا سفيرين للقصة القصيرة العربية. القاص العراقي محمد خضير، عضو المجلس الاستشاري للجائزة، ومنذ تأسيس الجائزة وهو يردد بتمنٍ واضح: "يُراد لهذا الجائزة أن تكون مشروعا إبداعيا قصصيا عربيا. يُراد لهذه الجائزة ألا تقف عند حد إعلان اسم الفائز وحفل التكريم". وإذا كانت الجائزة تقيم كل عام نشاطاً ثقافياً مصاحباً لها في حرم الجامعة الأميركية بالكويت، فإن القاص خضير، طرح في اجتماع مجلس الأمناء الأخير، أن تحتضن الجامعة الأميركية محترفاً دائماً للقصة القصيرة العربية، وأن ينظّم هذا المحترف ورشاً إبداعية لكتابة القصة القصيرة يشارك فيها أهم كُتاب القصة في الوطن العربي، إضافة إلى الفائزين بالجائزة. صحيح أن الرواية تحتل مساحة كبيرة من اهتمام الكاتب والناشر والقارئ ومانح الجوائز العربية، لكن ما بات صحيحا أيضا، هو أن جائزة الملتقى سلطت ضوءا باهرا على مشهد القصة القصيرة العربية، حتى إنه بات يُشار للجائزة والكويت بأنهما حضن للقصة القصيرة العربية، وكم يبدو هذا فخراً واعتزازاً كبيرين للكويت والجائزة!
مشاركة :