متى تعود عبارة "المحبة" إلى القاموس السياسي بقلم: حكيم مرزوقي

  • 1/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

حزب الحب سوف يحتكر السلطة وإلى الأبد، لأنه لا يتغذى إلا من القلوب النابضة والضمائر التواقة إلى التعايش والوئام. العربحكيم مرزوقي [نُشرفي2017/01/12، العدد: 10510، ص(13)] الدعوة إلى المحبة مازالت تثير السخرية، وتطلق تعاليق الاستهزاء في كل الأوساط السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية، ويظنها الناس مجرّد أيقونات وصلوات ينبغي لها أن تظل حبيسة جدران دور العبادة، ودفاتر الشعراء وألسنة الدراويش والمغفلين. والمطلع الآن على أحدث الفتوحات العلمية في شتى المجالات الطبية والرقمية والدراسات الاجتماعية والنفسية، يقف عند حقيقة مفادها أن الإحساس بالمحبة يخلق ما يشبه المعجزات وعلى جميع الأصعدة، ذلك أن المحبة هي حاجة وضرورة ووسيلة للإبداع والابتكار، وهي الترياق الشافي لكافة أوبئة العصر التي تفتك بالبشرية، وفي مقدمتها التطرف والإرهاب. إن المحبة لا تصنع، لكنها تستنهض في مكامن الذات البشرية مثل “الخلايا الغافية”. إنها تحتاج إلى إيقاظها كأي غريزة حميدة، ومن ثم تغذيتها وتنشئتها كي يشتد عودها فلا تكسرها الدعوات المضادة، كالكراهية والعنصرية والتعطش إلى القتل الذي ثمة من يقول بأنه كامن في النفوس كغريزة عدائية.. ألم يقل علي بن أبي طالب “الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها”. مشكلة العنصرية البشرية أنها تركّز على نقاط الخلاف في ما بين الناس، لا سعيا وراء موزاييك ثقافي محمود، بل هي ركض خلف تطاحن ملعون، لا طائل من ورائه ولا مستفيد إلاّ العصابات المستثمرة في الإرهاب. السياسيون المحترفون ينكرون عبارة “المحبة” في العمل السياسي، ويجعلونها لا تخص إلا علاقاتهم الأسرية التي يستخدمونها في حملاتهم الانتخابية، لكن الشاعر التونسي (م) جعلها محورا لبرنامجه الانتخابي عشية أول انتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة تعرفها البلاد بعد 14 يناير 2011 التي نعيش هذه الأيام ذكراها السادسة. تقدّم (م) من الجهات الرسميّة بطلب تأشيرة حزب يبدو غريبا في نظرها وفي عصرنا لقد سمّاه “حزب الحب”. أرفق “المواطن الشاعر” ملفه بكلّ ما يتطلّبه قانون الأحزاب حسب الأصول، ابتداء من الطوابع الضريبية إلى برنامج عمل، وأسماء الهيئة التأسيسيّة، واللجنة المركزيّة، والقانون الداخلي، وشروط الانتساب وعدد مناصريه من مختلف جهات البلاد، وحتى الأحزاب الصديقة في مختلف أنحاء العالم.. إنه حزب أممي بامتياز. عقد حزب الحب مؤتمره التأسيسي في حديقة عامة بحضور الصحافة ووكالات الأنباء، وجعل الوردة الحمراء شعاره في الانتخابات العتيدة، طامحا إلى الدخول تحت قبة البرلمان، وربّما الحكومة، أو الفوز بالرئاسة.. من يدري؟ من حقّ صاحبنا (م) أن يعوّل على صندوق الاقتراع ديمقراطيّا، وكذلك على عدد بطاقات الاقتراع التي تدخله وهي تحمل رسم وردة حمراء (رمز الحزب وشعاره)، وتيسيرا لمن لا يتقنون القراءة والكتابة، إذ أنّه لا يشترط شهادة لمناصريه ولا حتى سنّا معيّنة، لا بل كان أغلب جمهوره ومناصريه المتحمسين من غير “المتثاقفين”. لن يكون حزب الحب في حاجة إلى دعاية انتخابية ولا إلى مال سياسي قد يضخّ من جهات مشبوهة تملي عليه توجّهاته ومواقفه. المفاجأة الصاعقة هو أنّ “حزب الحبّ” جوبه بالرفض من الجهات المعنيّة، تحت ذريعة “لامعقوليّة الفكرة” و”تمييع العمل السياسي”، ثمّ إنه لا يمتلك مقرّا رسميّا، فمن غير اللّائق -حسب زعمهم- أن توجّه له المراسلات إلى عنوان حديقة عمومية أو مقهى شعبي. لم يحصل حزب الوردة الحمراء على تأشيرة العمل، وأغلب الظن أنه سوف يستمرّ في النشاط علنا وليس سرّا على طريقة الأحزاب المحظورة، إذ لا شيء غير الموت يمنع القلوب من الخفقان. حزب الحب ليس له جناح عسكري، لكنّه يعلن مسؤوليته عن كلّ عمليّة خفقة قلب أو لقاء أو حتى ولادة.. إنه “كتيبة من المحبة والتسامح”. لن يعرف الانشقاقات التي غالبا ما تنخر الأحزاب الأيديولوجيّة، لكنّه سوف يحتكر السلطة وإلى الأبد، لأنّه لا يتغذّى إلّا من القلوب النابضة والضمائر التواقة إلى التعايش والوئام. سخرت بعض وسائل الإعلام في تونس من هذه الفكرة السورياليّة، ونعتت صاحبها بالعربدة والصعلكة والجنون، لكنّها لم تنتبه إلى هذا السيل الجارف من الأحزاب التي ظهرت في ما بعد، حتى ليكاد يكون كل مواطن ناطقا رسميّا باسم حزبه. معظم هذه الأحزاب التي تكاثرت كالفطر لا تقول شيئا وتتّسع غرفة واحدة أو حتى سيارة أجرة لمؤتمراتها التأسيسيّة، ولا يزيد عدد أعضائها عن “شلةّ” في حانة شعبيّة، لكن لا أحد يشك في أن حزب الحب يمنح بطاقة العضويّة إلى كلّ الناس دون تمايز. أغلب الظنّ أنّ تلك الأحزاب الهستيريّة تريد إقصاء حزب الحبّ عن الساحة لأنها تريد السلطة، في حين أنّ صاحب الفكرة، لا يطمح إلاّ إلى سلطة واحدة اسمها “برلمان العشّاق”. وحده الحب يجمع بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وربما زاد عليها -مجازا- سلطة رابعة تعرف تقليديا بالإعلام، لكنّه سمّاها “الشعر”. ما أحوج بلادنا العربية إلى مواطنين “عشاق”، ينثرون الورود ويحتجّون على الكراهية والبغضاء، ويحافظون على قلوبهم نقية كالمطر. لا أعتقد أنّ فكرة هذا الشاعر من أضغاث الأحلام أو من وحي القدح العاشر كما صوّرها البعض، إنها دعوة إلى المحبّة التي تحاصرها الكراهية هذه الأيام، لكنها لن تجهز عليها مادامت هناك قلوب تنبض داخل أقفاص الصدور. عبارة “المحبة” محتقرة من قبل غالبية السياسيين ودعاة التعقل وأدعياء العقل والمنطق، هي لفظ مستهجن عند القائلين بالمادية الجدلية، والذين يظنون أن تاريخ الشعوب والمجتمعات لا تحركه العواطف، بل المصالح الاقتصادية والمنافع المتبادلة وحدها. كاتب تونسي حكيم مرزوقي :: مقالات أخرى لـ حكيم مرزوقي متى تعود عبارة المحبة إلى القاموس السياسي , 2017/01/12 هل للبرد والحر تأثيرات على نشاط الشعوب وذكاء الأفراد, 2017/01/10 بيتي الجديد في العام الجديد , 2017/01/08 مواجهة فلول الإرهاب العائد.. اتفاق في المبدأ واختلاف في المعالجة, 2017/01/03 ثقافة الاعتذار تجعل الرصاص يعود من الصدور إلى البنادق, 2016/12/29 أرشيف الكاتب

مشاركة :