رغم كل القيم الإنسانية، ورغم كل المعاهدات الدولية، ورغم جميع القرارات الدولية، تقرر الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس المحتلة لتكون عاصمة موحدة لدولة إسرائيل المزعومة. لم يضع العرب أو المسلمون معاهدات جنيف بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يسطروا ميثاق الأمم المتحدة، بل وضعتها الدول المنتصرة في الحرب، وهي التي صاغت مبادئها وبنودها التي نصت على عدم الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وعلى تحميل الدولة المحتلة مسؤولية حماية المدنيين وحقوقهم وأملاكهم في الأراضي المحتلة، وغير ذلك في عشرات المواثيق والمعاهدات الدولية التي حملت نفسا إنسانيا عادلا بعدما ذاقت البشرية ويلات حروب طاحنة، ذهب ضحيتها ملايين البشر. ولكن ها هي الولايات المتحدة، وهي أكبر وأقوى دولة علمانية اليوم، تتجاهل وتتنكر لهذه المبادئ فتقرر تأييد ضم القدس المحتلة ونقل سفارتها إليها. هذا الإجراء مع كل ما فيه من عيوب قانونية يدل على حقيقة غائبة عن كثير من البسطاء الذين خدعوا بالعلمانية فتصوروا أنها الحل لكثير من مشكلات العالم، وجاء هذا الإجراء الذي صوت عليه الكونغرس الأميركي بأغلبية ساحقة ليثبت لهم أنه لا قواعد دينية أو أخلاقية، ولا التزام بمواثيق ومعاهدات دولية، ولا حقوق إنسان تحكم أكبر دولة علمانية، إنما هو الهوى الذي جعلوه الإله الذي يتبعونه. فما تراه أهواؤهم جميلا اعتبروه جميلا، وما مال هواهم إلى أمر حتى صار هو الحق والعدل الذي يصوتون له ومعه لا القواعد والمعاهدات والمواثيق الدولية، وفي هذا يقول تعالى: "فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً". (النساء-١٣٥). ويقول سبحانه: "فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ". (ص-٢٦)، ويقول أيضا: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ".(الجاثية-٢٣). لهذا فإن قرار نقل السفارة يدل على أن العلمانية ما هي إلا اتباع الهوى واتخاذه إلهاً، وليس العلم ولا الحق ولا العدالة فهل من معتبر؟ آخر الكلام: بعد سنوات من تعطيل الرياضة الكويتية وإيقافها دوليا بسبب إقرار قوانين محلية اعترض عليها الاتحاد الدولي عاد مجلس الأمة ونسف جميع تلك القوانين، واستجاب لكل شروط المنظمة الدولية، فكم ضاع على الكويت من جهد ووقت ومال، وفات من مشاركات خلال تلك الفترة، واليوم عدنا إلى نقطة البداية التي كنّا فيها، وهلل الكثيرون قائلين: انتصرنا انتصرنا، وانطبق عليهم المثل الشعبي: "مثل ما رحت مثل ما جيت". الشعوب الحية تحاسب المسؤولين على أخطائهم، فهل سيحاسب شعبنا كل من غير القوانين الأصلية، وأدخل البلاد في تلك المغامرة التي أدت إلى التعطيل لسنوات؟
مشاركة :