إنه لا مناص من التعامل مع أولئك الباعة الإلكترونيين المتجولين الذين صاروا قوة اقتصادية ومالية وحقيقة رقمية لا يمكن تجاهلها أو العبور عليها.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/12/12، العدد: 10840، ص(18)] هما مشهدان متوازيان لا يشبه أحدهما الآخر كثيرا. المشهد الأول وأنت تلج أحد الأسواق التقليدية العربية أو الشرقية عموما وأول ما ستسمعه هو تصارخ الباعة وكلّ منهم يحاول أن يلفت نظرك إلى بضاعته أو يجذبك لشرائها. إغراءات شتى يقدّمها أولئك الباعة وتبحّ أصواتهم طول اليوم وهم يحاولون اصطياد زبائنهم. المشهد الموازي مناقض لما سبقه، بل هو مشهد هادئ تماما، إنه دكّان إلكتروني تلجه أيضا وتتنقل مقلّبا محتوياته فلا تسمع صراخا ولا باعة يتصارخون ويتنافسون، بل باعة مختبئون خلف الشبكة العنكبوتية وأذانهم وعيونهم مفتوحة على مدار الساعة. هذا الشكل من التجارة يبسّط المشهد السائد اليوم ما بين التجارة الإلكترونية والتجارة التقليدية وأساليب البيع والشراء التي درجت عليها البشرية منذ دخلت الأسواق وباعت واشترت ودخلت سوق المضاربة. السوق الذي يتعملق اليوم يتمثل فيما لا حصر له من الباعة الذين يتجوّلون على الشبكات وبالإمكان أن يطلّوا برؤوسهم على الناس حتى وهم في غرف نومهم معلنين عن بضائعهم. ومع اقتراب العام من نهايته تزداد المنافسة حدّة وشراسة ويزيد النشاط لأولئك الباعة المتجولين الإلكترونيين المجهولين. لا شيء تعلمه عنهم ولكنهم باعة منافسون لمنافسيهم المتصارخين وهم يرسلون مندوبيهم إلى باب منزلك ليوصلوا لك ما اشتريت. لا شك أنها ضربة شديدة للأسواق التقليدية، لا سيما مع تصاعد الأنفاق في هذه السوق العالمية إلى آلاف الملايين من الدولارات. لعبت الميديا دورها إذن ودخلت ميدانا وظفت فيه التقنية لجني الأرباح السهلة. سيتضح لاحقا مثلا أن الصين ستحتل الصدارة في هذا السوق وهي التي توظف أقصى ما هو مستطاع ومتاح فيها لجني المزيد من الأرباح. كل شيء محمول على هذه الصفحة اللوحية المضيئة أو عبر جهاز الهاتف النقال من السفن والطائرات إلى المكائن والمعدات والسيارات إلى الأثاث والهدايا والتحف النادرة وما إلى ذلك. السيولة التي تتدفق فيها تلك الأموال عبر المنصات الإلكترونية صارت هي الأخرى من الظواهر غير المسبوقة، إذ قدمت المنصات الرقمية أيسر الحلول للدفع والقبض والاستلام والتسليم بثقة شبه مطلقة. تقول الدراسات إن أداة التوسع في هذه التجارة المتضخمة هي مدى استخدام الشبكة العالمية، ولهذا فإن من المتوقع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم من 2.3 بليون مستخدم أي بمعدل انتشار عالمي يبلغ 43 بالمئة من إجمالي سكان العالم إلى 3.8 بليون مستخدم بحلول عام 2022، ما يعني ارتفاع معدل الانتشار العالمي إلى 50 بالمئة، بمعنى أنه لم يعد هناك من قلق كبير لنسبة الأميّة والأميين بقدر البحث عن براغماتيين يلجون هذا العالم الرقمي. ستقدم الصين في وسط هذا إحصائية مذهلة بوجود أكثر نصف بليون مستخدم للإنترنت وقرابة ذلك العدد من المستوّقين الإلكترونيين. واقعيا هي ثقافة مجتمعية، تلك الثقافة المرتبطة بالتسوق الرقمي الذي صار أمرا واقعا وحقيقة حتمية، إنه لا مناص من التعامل مع أولئك الباعة الإلكترونيين المتجولين الذين صاروا قوة اقتصادية ومالية وحقيقة رقمية لا يمكن تجاهلها أو العبور عليها. في إحدى المرات زرت بلدا عربيا وقرأت عن منصة إلكترونية لتسويق الكتب وقررت أن أجرّب حظي في تسليمهم نسخا من كتبي على سبيل الدعم لمشروعهم وبعد رحلة إلى أطراف عاصمة ذلك البلد وصلت إلى حيث يعمل ذلك الفريق، إنهم يكافحون على جميع المستويات، نشر الكتاب، نشر عادة التسوق الإلكتروني، تعويد الكتّاب والمؤلفين على الدفع بكتبهم لتلك المنصّة وإذا بها مهام متشعبة لا يعينهم عليها أحد لسبب بسيط أننا وهذه الدكاكين الإلكترونية سواء في بيع الكتاب أو بيع السلع الأخرى مازلنا في أول الطريق. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :