"لعبة الملاك" باب روائي مفتوح على مقبرة الكتب بقلم: عبدالله مكسور

  • 12/15/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

المترجم السوري معاوية عبدالمجيد الذي قام بنقل زافون إلى العربية، نتعرّف إلى عالم هذا الروائي الإسباني.العرب عبدالله مكسور [نُشر في 2017/12/15، العدد: 10843، ص(15)]لا أكتفي بالترجمة بل لا بد من هوامش "مقبرة الكتب المنسية" رباعية الكاتب كارلوس زافون المنشورة عبر “ظل الريح” الصادرة عام 2001، “لعبة الملاك” الصادرة عام 2008، “سجين السماء” الصادرة عام 2011، “متاهة الأرواح” الصادرة عام 2016، وبعد صدور روايته “لعبة الملاك” بـ16 عاما تجد هذه الفضاءات طريقها إلى العربية بقلم المترجم السوري معاوية عبدالمجيد. لكن تزامنت عملية قرصنتها ونشرها إلكترونيا مع الأيام الأولى لصدورها ورقيا في المكتبات العربية، هذا الحدث يضعنا أمام عدة تساؤلات ويدفعنا إلى فتح الباب على عالم زافون الروائي الذي وصلتنا –نحن العرب- منه حتى الآن روايتان، “ظل الريح” و”لعبة الملاك”، ومازلنا بانتظار صدور روايتيه الثالثة والرابعة من هذه السلسلة الرباعية التي يرفض الروائي الإسباني وضعها تحت عنوان الأجزاء، فهو يعتبرها في حديث تلفزيوني أنها أربع روايات منفصلة متصلة. عالم زافون يؤكد المترجم السوري معاوية عبدالمجيد أن كارلوس زافون يعطي مضمون قدرته السردية “شكلا” ماديا وملموسا: وهو الكتاب؛ الكتاب بنسخته الورقية. إذ أن أشد ما يلفت انتباه القارئ هو البعد النوستالجي لتلك الحقبة الزمنية التي كان فيها الكتاب يغلف بأغلفة جلدية، أغلفة تحضن الحبر الأصيل فيفوح ذلك العبق المميز في أرجاء المكتبات. كما، يقر المترجم بأننا نشهد هذا البعد حقيقة في رواية “لعبة الملاك”، حيث الرواية، بغلافها الجلدي الفخم، ستنقذ حياة كاتبها من موت محقق، حين استخدمها مثل واق من الرصاص عن غير قصد، وهذا بحسب عبدالمجيد يجعلنا نفهم البعد الثاني للسرد الزافوني، وهو تضخيم ولعه بالكتب إلى درجة الأسطرة في “شكل” حسي وخيالي، هذه المرة، بل وخرافي أيضا، في إشارة إلى “مقبرة الكتب المنسية”. ويتابع ضيفنا، لكن هذه الخرافة البرشلونية هي الوحيدة التي ستبقى أساسا صلبا بين عدد لا ينتهي من الخرافات الأخرى، أي تلك التي يقولها زافون على ألسن شخصياته الثانوية. لكل شخصية في “ظل الريح” خرافة خاصة بها، خرافة ترسم لصاحبها رأيه في الحياة، وتوجهات مصيره. وحتى نلج إلى عالم كارلوس زافون الروائي لا بد أن نقسم المهمة إلى خطين، الأول ارتكاز مكاني والثاني ارتكاز نفسي يعبر أبطال الروايات التي قدمها، في الخط الأول يعمد زافون إلى المشي في شوارع برشلونة مستعيدا أسماءها القديمة عابرا بأزقتها وحاراتها وساحاتها الحقيقية، برشلونة التي كانت في وقت ما حاضرة تضاهي الحواضر الأوروبية جميعا، لكن علاقة الكاتب بها مشوّشة ملتبسة وغير واضحة في آن معا، إنه يحبها عبر أبطاله لكنه يملها، يكرهها ولا يحقد عليها، يحب ذلك التذبذب في مشاعره تجاهها، فيستحضرها في زمن إشكالي أيضا، فتبدأ القصة مع نهايات 1917، هو العام الذي وضعت فيه الحرب العالمية الأولى أوزارها وبدأ الاستعداد لخوض جولات الحرب العالمية الثانية بين قوى العالم الجديد.اللغة العربية يجب أن تستعرض مخزونها من الشاعرية والكلمات المرادفة كي يحتمل النص المترجم القدر الهائل من الرومانسية ويرى المترجم أن الخط النفسي الذي يمكن فهم إنتاج زافون بنسخته العربية من خلاله يكمن في تقديمه لبرشلونة التي أشار إليها بعدة تسميات قد تختصر فهمه لها، فكانت مدينة الألغاز ومدينة الملاعين، قدمها بشكل تشريحي أفقي، كأنما استحضر إنسانا ووضعه على طاولة طبيّة وبدأ ينسج من مكوناته مدينة تتطابق مع تكوينات هذا الإنسان في الكثير من الأمور والاتجاهات، فكانت هذه المدينة صورة عنه في التناقض والتصالح، الشهوانية والطهرانية، الانغماس في الحياة والترفع عنها، الصدق والكذب، الازدواجية التي تحمل التناقض والتصالح معها في آن. هذا يقودنا لروايته الأخيرة “لعبة الملاك”، حيث يمكن رسم خط بياني لكل شخصية وتحديد مستويات تقاطعاتها مع ذاتها أولا ومع المحيط الخارجي ثانيا. تحريك الشخصيات في هذه الرواية يأتي عن سبق إصرار وترصد في بنيان يقود فيه زافون هذه الأوركسترا مجتمعة ليغرق القارئ في لعبة التوقع وما يلبث أن ينهيها في الوقت الذي يقرر هو دون إعطاء أجوبة على الأسئلة المحتملة في ذهنية التلقي، إنه يريد ببساطة أن يقول إني كاتب “ظل الريح” التي حققت نجاحا كبيرا وأنا قادر على تقديم رواية توازيها لكني قررت هنا التفوق عليها فسأعطيك أيها القارئ مجموعة من الروايات في قلب رواية واحدة، فتقمص منها ما تشاء وامسك بأصابعك خطوط السرد التي تشتهي. الترجمة المقارنة إن كارلوس زافون تجربة ثرية ودخوله المتأخر إلى عالم الأدب العربي لن يؤثر على رواج إنتاجه الأدبي وتذوقه لدى المتلقي العربي. اللافت أننا أمام إنتاجه الصادر أصلا قبل ترجمته إلى أغلب لغات أهل الأرض باللغة الإسبانية والكتالونية، نتوقف أمام الترجمة العربية التي يشعر القارئ أنه أمام نص صادر أساسا بالعربية للغته وبنيته السردية المحكمة وشخصياته المحفورة بشكل جيد وهوامشه التي أضافها المترجم عبدالمجيد، لتضع القارئ بالعربية أمام سيل من المعلومات التي تثيرها النقاط الأساسية بالهوامش باعتبارها الموسيقى التصويرية للعقل الباطن الذي يتلقى النص، فهذه المعلومات تضيف أبعادا جديدة للشخصيات الموجودة بمجرد الحصول عليها. نسأل ضيفنا عن سر الخلطة العجيبة التي يقدمها في النسخة العربية، لينفي الأثر المترجم عن النص، ويقول إنه يقرأ الرواية بلغتها الأم ومن ثم يجري مقارنات مع النسخة الصادرة بالإيطالية والفرنسية والإنكليزية قبل الشروع بترجمتها ونقلها إلى العربية، فهو بذلك يكون أمام نص أصلي بالإسبانية وثلاث روايات منقولة إلى لغات أخرى، فيأخذ من الكل ليبني رواية خاصة يكتبها بلغته العربية لقارئ بات ينتظر إصدارا جديدا للكاتب الإسباني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية. يتابع في هذا الإطار، أنه واجه خلال عملية الترجمة عددا من المصاعب. فكان لا بد للغة العربية أن تستعرض مخزونها الكبير من الشاعرية والكلمات المرادفة كي يحتمل النص المترجم ذاك القدر الهائل من الرومانسية الأدبية. إلا أن عبدالمجيد استعان أيضا بالحواشي لتغطية بعض الثغرات التي يصعب نقلها كما هي من دون تعليق، كما لا يستحسن تجاهلها والقفز فوقها. مثلا إحدى الشخصيات في “لعبة الملاك” تسخر من أحدهم بأنه مغرور يدعي بأنه حفيد ماتا. وفي هذا الوصف سخرية لاذعة، لأن ماتا كان زعيما سياسيا كبيرا في إسبانيا، حتى أنه لقب بـ”جد الشعب”، فوجبت الإشارة إلى هذه النقطة. وعلى جانب آخر هناك اشتغال على مستوى التعريب، وهنا يؤكد ضيفنا أنه تعامل مع حيوان خرافي شائع الذكر في الثقافة الأدبية الأوربية بشكل كبير، بعض المترجمين نقلوه كما يلفظ باللاتينية إلى العربية فكان “بازيليسك” وآخرين تجاهلوه واكتفوا بترجمته على أنه الثعبان الكبير، وأمام هذا التحدي وضع معاوية عبدالمجيد كلمة معربة لهذا الحيوان آملا بأن يدخل هذا المخلوق الخيالي الأسطوري إلى قاموسنا العربي تحت اسم “البسلسيق” كأسماء تلك العفاريت التي تزخر بها ألف ليلة وليلة.

مشاركة :