أيمن حسن: لا بد من إعادة كتابة فكر التنوير على ضوء الربيع العربي بقلم: عبدالله مكسور

  • 12/3/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

أيمن حسن: لا بد من إعادة كتابة فكر التنوير على ضوء الربيع العربييسعى الشاعر والمترجم والأكاديمي التونسي أيمن حسن في كتابه الأخير الصادر بالفرنسية إلى طرح سؤال عام تحت عنوان: هل أنا الثورة؟ سؤال يقدِّم فيه أيمن رؤاه من خلال التنظيرات الأوروبية عائداً إلى مقولة “الكاتب يتعرّف على نفسه في الثورة”، لينطلق منها طارحاً السؤال على نفسه على طريقة الكتَّاب في القرن الثامن عشر، في هذا الحوار مع “العرب” يتحدث حسن عن كتابه الصادر مؤخراً.العرب عبدالله مكسور [نُشر في 2017/12/03، العدد: 10831، ص(13)]أيمن حسن: الكتاب يتعرفون على أنفسهم في المخاضات الكبرى “هل أنا الثورة؟”، بهذا التساؤل الصارخ يطرح الكاتب والمترجم والشاعر التونسي أيمن حسن عنوان كتابه الجديد الصادر باللغة الفرنسية التي اختارها ضيفنا لتكون واسطة القول في رسائله التي حملها الكتاب بين دفَّتيه، عن اختيار العنوان يقول الأكاديمي التونسي إنه جاء من مقولة للمفكر الفرنسي موريس بلانشو وردَت في نص ” نصيب النار”، وهذا النص عن “ماركي دي ساد” وعنوانه “الأدب والحق في الموت”، حيث يقول “إنّها اللّحظة حيث أنا أموت تعني بالنسبة إليّ وأنا أموت أمراً تافهاً لا يمكن اعتباره، ففي العالم الحرّ وفي تلك اللّحظات الّتي تجلّت فيها الحريّة بصفة مطلقة، أن تموت من غير ذي أهميّة والموت دون عمق. وهذا ما تعلّمناه من عهد الإرهاب ومن الثّورة، لا من الحرب. قد يتعرّف الكاتب على نفسه من خلال الثّورة. إنّها تجلبه إليها، لأنها الزّمن الذي يمنح الأدب يصير تاريخا. إنّها حقيقته. فكلّ كاتب يمارس الكتابة وليس منقاداً بالضّرورة إلى التّفكير: أنا الثورة، وحدها الحريّة تدفعني إلى الكتابة، فالواقع لا يكتب”. عودة للذاكرة أيمن حسن أكاديمي تونسي يدرِّس اللغة والآداب الفرنسية بدار المعلمين العليا في تونس، وقد نشر أكثر من خمسة عشر كتاباً، منها “عودة الحشاشين” و”فن الحرب التونسي” و”اليأس الجذل لدى سيوران” و”إيريبونغ/سمو” و”حضوريا”و”شذرات الديجا فو” و”في حماية الأنقاض. صدى الفلسفة والشعر” و”نشيد وطني” و”شظايا النجوم اكتشاف الرجل الأعوج” و”أبجدية الساعة الزرقاء” و”الكذبة العظيمة” وغيرها من المؤلفات الصادرة بتونس وفرنسا، بالإضافة إلى عشرات الكتب المترجمة من العربية إلى الفرنسية. قبل الحديث عن إصداره الأخير “هل أنا الثورة؟”، يعود ضيفنا بذاكرته إلى يوم الـ17 ديسمبر من عام 2010، حين أحرق محمد البوعزيزي نفسه في محافظة سيدي بوزيد وكانت تلك الشرارة التي انطلقت منها الثورة التونسية، حينها كان الأكاديمي التونسي في جامعة المكنين بمحافظة المنستير يعطي درساً عن الحرب لفولتير تحت عنوان “إنها مجزرة بطولية”، حينها سأل أيمن حسن الطلاب: هل تحبّون الحرب؟ الجواب كما ينقله ضيفنا كان إجماعا بكلمة نعم، لأن الحرب حينها كانت تعني ظهور الأبطال أو صناعة بطل يحاكي المخيِّلة الشعبية الإنسانية، وبعد أسابيع من هذا السؤال عاد ضيفنا ليطرح نفس السؤال على الطلاب الذين تعرضوا لما تعرضت له البلاد، حينها قالوا: قطعاً، لا نحب الحرب، لقد أدركوا -كما يقول ضيفنا- قيمة الحرية بعيداً عن العنف الذي يعني الضعف، فالثورة من أجل الكرامة وليس من أجل الدّين. أيمن حسن يعود إلى مقولة “الكاتب يتعرّف على نفسه في الثورة”، لينطلق منها طارحاً السؤال على نفسه، وهو الذي كتب خمسة كتب عن ثورة تونس والشأن العام منذ عام 2012، على طريقة الكتَّاب في القرن الثامن عشر.هل أنا الثورة؟ أراد من خلال هذه المؤلفات الرد على كل من يقول إنها ليست ثورة، وكتابه الأخير يقع في هذا الإطار حيث يتكوّن من رسالتين وحوارَين وبحثَين نقديَّين اثنين، وقبل هذا كله هناك مقدمة يعلن فيها أيمن حسن أمنيته بأن يكون من كُتَّاب الأنوار في القرن الثامن عشر. فكر التنوير ضيفنا يحاول إعادة كتابة فكر التّنوير على ضوء الربيع العربي وما حدث وما تلاه، حيث يعتبر أن الجمهور في أمسّ الحاجة اليوم لمثل هذه الطروحات، فهذا الفكر يقوم على طرح سؤال “ما هي الأنوار؟”، “إنها خروج الإنسان من حالة القصور الفكري” كما يصفها أيمن حسن على نمط الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، وهكذا فهو يحاول التفكير بأسلوب يساعد الآخرين على تحقيق الوعي الأكبر للخروج من حالة القصور، لهذا انطلق الكاتب، الذي وضع كتابه بالفرنسية لأنها اللغة الأقرب إلى نفسه ولأنه لا مشكلة في الاشتباك الذهني بين العربية والفرنسية بتونس كما يقول، بكتابه من محاضرة كان ألقاها في كلية الآداب بجامعة سوسة في بداية 2015، أي بعد ثلاثة أسابيع من أحداث صحيفة “شارلي إيبدو” في العاصمة الفرنسية باريس، كانت تلك المحاضرة عن قيمة الأنوار، حيث قام أيمن حسن بإحضار تمثال صغير لفولتير وتحدث خلال محاضرته الأكاديمية بطريقة “الأنا” الذاتية العُليا بعيداً عن المَأسسة، هنا يستحضر الكاتب الشهير باسكال كينيار الذي حاز على جائزة الغنكور عام 2002 حين قال “أودّ أن أُقرَأ سنة 1661”، بمعنى أنه يريد أن يكون من الكتاب الكلاسيكيين الذي أسّسوا لمستوى فكري أحدث نقلة نوعية في الفعل الإنساني، وعلى هذا المنوال يريد أيمن حسن أن يكون من مفكري الأنوار رابطاً إياها بكثير من الأصوات. يقول أيمن حسن إن الكتاب يضم رسالَتَين، الأولى عنوانها “رسالة إلى ر. م” عن الربيع العربي، والرسالة الثانية تحت عنوان ” رسالة إلى ر. ج” عن التناقض، أسأله بداية عن عدم الإفصاح عن الأسماء التي وجه إليها رسائله والاكتفاء بالأحرف الأولى، ليقول ضيفنا إنه يحفِّز القارئ على البحث والتوقُّع من خلال قراءة النص، وهي طريقة قام بها مفكرو الأنوار في القرن الثامن عشر لحماية أنفسهم وحماية المرسل إليه. يتابع ضيفنا أنه فسَّر بالرسالة الأولى معنى الربيع العربي من خلال رؤية تاريخية لواقع تونس وسبب انطلاقة شرارة الربيع العربي منها، هذا التفسير قام في جوهره على التحدث عن الدين بنظرة الواقع، أما الرسالة الثانية فقد تحدث فيها عن مصطلح “التناقض الفكري” بطريقة فلسفية أدبية.الكتاب الجديد للمؤلف بالفرنسية متلبسا فولتير مصائر الثورات أسأل ضيفنا المترجم هنا عن الحوارين في الكتاب، ليقول إن الحوار الأول مع الكاتب الفرنسي الشهير بيير بيرغونيو الذي امتاز بكتب اليوميات، وهو سبق أن قدَّم كتاب ضيفنا “عودة الحشاشين” في طبعته الفرنسية، أما الحوار الثاني فقد كان مع الكاتب والأكاديمي مارتان روويف الذي ترجم غرامشي من الايطالية إلى الفرنسية وكان الحوار تحت عنوان “غرامشي إلى نهاية العالم”، في كلا الحوارين ناقش أيمن حسن مع ضيوفِه مصير الثورات العربية، حيث أجاب كل منهما بذكاء وألمعية وبمباشرة، فضلاً عن تبيان موقف كل منهما من الربيع العربي وتطوّراته انطلاقاً من الثورة التونسية وتحولاتها، من خلال إجراء مقارنات شاملة مع ما حدث في أوربا في القرن الثامن عشر. كما قدَّم أيمن حسن في كتابه “هل أنا الثورة؟” ورقتين بحثيَّتَين عن طريقة الموسوعات والبحوث الأكاديمية، الأولى حول الفكر الفعلي والثانية حول قيمة العمل الأدبي التاريخية، تضمنتا مقاربة واقعية وإيجابية قائمة على قراءات تاريخية معمَّقة، كما فعل آلان باديو حين حاول تقديم ندوة عام 2011 في دار المعلَّمين بباريس حيث حاول تفسير الانقلابات والأحداث في تونس، لكن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر ورحيل مبارك أدرك أنه متعجِّل بقراءة التاريخ، في هذه الأبحاث حاول الأكاديمي التونسي وضع إشارات استفهام لفهم ما يحدث اليوم، وهذا يعتبره ضيفنا فرعا من الأدب والنقد. تلفت نظرنا أيضاً غرابة الغلاف الذي احتوى الكتاب، حيث ظهرت صورة وجه أيمن حسن بتجسيد عام لفولتير، عن هذا يقول ضيفنا إنه أراد أن تكون الفكرة المطروحة مناسبة لطموحه في أن يكون ضمن مفكري الأنوار، وما طرحه لهذا السؤال “هل أنا الثورة؟” في عنوان الكتاب إلا لإدراكه أن هذا السؤال يعني الثورة والأدب والنقد والأيديولوجيا، مؤكداً أنه لا يخاف من الأيديولوجيا لأن فكر الأنوار يعلِّم الإنسان حبّ الإنسان. كاتب من سوريا

مشاركة :