إذا كان لليوم الوطني في أي دولة أن يصبح مناسبةً للاحتفال، فإنه أيضًا فرصةٌ للمراجعة والتفكير بآليات التطوير والتقدم التي لا تنتهي ما استمرت الحياة. والاهتمام بالشأن السعودي واجبٌ على العرب والمسلمين، ببساطة، لأن كل خيرٍ يصيب السعودية يؤثر عليهم إيجابيًا، وكل سوءٍ يصيبها، لا قدر الله، يؤثر عليهم سلبيًا. فلا داعي لمزيدٍ من (الفذلكة) في تبرير مثل هذا الاهتمام. وإذا كان من عنصرٍ يتعلق بالتجربة السعودية على صعيد الدولة والمجتمع، والعلاقة بينهما، فإنه يتمثل في كل ما له بترتيبات العلاقة بين ما هو (سياسي) وما هو (ديني). والحقيقة أن البشرية لم تستطع، عمليًا، أن تفكك العلاقة بين ما هو ديني وما هو سياسي رغم كل المحاولات على صعيد النظرية أو في أرض الواقع. حاولت أوروبا ومعها أمريكا ردحًا من الزمن، لكن العامل (الديني) سرعان ما عاد ليفرض حضوره على العالم بشكلٍ أو بآخر. داخليًا مع موجات الهجرة إلى القارتين وما نتج عنها من ردود أفعال ثقافية وسياسية واجتماعية وقانونية. وخارجيًا مع ظهور الدولة العبرية كدولةٍ يهودية، ثم مع (الثورة) الإيرانية وهزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وظاهرة الصحوة الإسلامية، وأحداث سبتمبر وما تلاها، وصولا إلى الواقع العربي في السنوات القريبة الماضية، وما أظهره من تداخلات عميقة بين السياسي والديني. من هنا، يمكن القول: إن استمرار الحديث عن إمكانية الفصل بين (الديني) و(السياسي) بشكلٍ قاطع لم يعد مُجديًا ولا جدّيًا. وبأن البحث في التجارب التي تُعبّر عن الظاهرة المذكورة بشمولٍ وموضوعية سيكون أكثر فائدةً من محاولة إنكار علاقةٍ يَظهر مرارًا وتكرارًا أنها تفرض نفسها على الوجود الإنساني. لهذا تظهر أهمية النموذج السعودي في هذا المجال. فخصوصية العلاقة بين (السياسي) و(الديني) لا تظهر في أي بلدٍ في العالم كما تظهر في المملكة. وهنا، لا تبدو ثمة إمكانية لتجاهل هذه العلاقة بشكلٍ عام، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي. وفي حين يلتفُّ البعضُ، ساسةً أو مثقفين، حول الموضوع بأساليب مصطنعة، في بلادٍ عربيةٍ أو إسلامية أخرى، تبدو المملكة مدركةً تمامًا لحقيقة وجود العلاقة المذكورة. مع إدراك حتمية تطوير صياغاتها وقوانينها على الدوام. نحن إذًا إزاء مجتمعٍ فريدٍ إلى حدٍ ما في هذا العالم، لا تجد فيه القيادة السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، ولا تجد فيه غالبية شرائح الشعب، تناقضًا بين فعل (الإيمان) من جهة وفعل (السياسة) الذي تُختزل فيه عادةً ممارساتُ التخطيط والتنمية من جهةٍ أخرى. إلا أن قبول المجتمع بهذه الحقيقة يحمل في طياته مسؤوليةً ثقيلةً على الجميع اليوم، كما كان عليه الحال في المرحلة الماضية. حيث بقيت المملكة موقعًا للخصوصية التي نتحدث عنها، فأنتجت العلاقة بين الديني والسياسي واقعًا ثقافيًا واجتماعيًا كان رافعةً للاستقرار والاستمرار. إن الإقرار باستمرار تلك العلاقة لا يتناقض مع تقديم صياغاتٍ جديدة ومتطورة لها، وهو يعني أن فعل (الإيمان) يجب أن يُصبح رافعةً للتطوير والتنمية في كل المجالات. لقد بات واضحًا من أحداث السنوات الأخيرة التي وقعت في العالم أن فعل (الإيمان) يمتلك قوةً يمكن وصفُها، حسب مقتضى الحال، بأنها مخيفةٌ أو رائعة. فهذا الفعل إما أن يقوم على رؤيةٍ أصيلة لما هو ديني، فيُطلق الكمون الإنساني الهائل للمساهمة في عمليات إعمارٍ تتمحور حول قيم الحق والعدل والخير والحرية والجمال. أو أن يُبنى على رؤية مشوّهة، كما هو في دول إسلامية عدة، فيُصبح منتجًا لأدبيات وثقافةٍ تعرقل حركة العقل البشري وتقتل فيه أسمى معانيه وأحلامه وتطلعاته التي لابد منها لتحقيق الإعمار. بل ربما تصل إلى درجةٍ يصبح فيها فعل الإيمان عائقًا ووبالا على أصحابه، حين يُنتج ممارسات متناقضة مع كل قيم الإيمان ومعانيه. إن إعادة التأكيد على العلاقة بين (الديني) و(السياسي) في المملكة يمثل فرصةً جديدة لكل من يدرك بواقعية أن تلك العلاقة هي في حقيقتها جزءٌ لا يتجزأ من قوانين الاجتماع البشري على هذه الأرض. لكن إثبات هذه الحقيقة بشكلٍ أوضح لا يمكن أن يحصل في معزلٍ عن تفعيل (الديني) من خلال الاستمرار في عمليات المراجعة والاجتهاد والتجديد. وإذا كان البعض خائفًا ومترددًا في الماضي، فإن إعادة التأكيد المذكورة على وجود العلاقة يجب أن تدفع إلى إعادة النظر في ذلك الموقف النفسي، وما ينتج عنه عمليًا على أرض الواقع من كبحٍ وتأخيرٍ لعمليات المراجعة والاجتهاد والتجديد. والذين يُصِرّون على هذا إنما يحاصرون فعل (الإيمان) الحقيقي، لأنهم يرضون بألا يُظهر هذا الفعل أثره الإيجابي الكبير في حياة الناس. وضياعُ مثل هذه الفرصة في عصر الأزمات الذي نعيشه في عالمنا العربي لن يكون خسارةً فقط لمن يرغبون في استمرار تلك العلاقة، وإنما سيصبح أيضًا خسارةً مؤلمة للبشرية في كل مكان. ليكن اليوم الوطني خيرًا على المملكة وأهلها في كل مجال. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :