الكتابة ليست عن جنى الشمري بل كتابة عن الكتابة عنها، وهي اليوم مختلفة بانتمائها وخلفياتها عنا ولا يجمعنا مع أصحابها إلا شيء من الإنسانية القليل جداً، كمساندة بعض أصحاب الديانة اليهودية الذين وقفوا علناً مناصرين للحق الفلسطيني ومنددين بالعدوان الإسرائيلي على غزة الأخير، فصوت العدالة صوت محترم حتى لو جاء من عدو، حتى أصول الديانات السماوية تم العبث بتاريخها لتكون نصوصاً سياسية بدلاً من أصلها الديني المقدس، فقد حرفت الصهوينة بعض تلك الأصول لتتناسب مع طرحها الاستعماري لا في اليهودية فحسب بل تجاوزت ذلك للمسيحية وهي الآن في محاولات جادة لتغيير بعض الثوابت الإسلامية، ويبقى ذلك عزيزاً عليها " في لوح محفوظ" حركة المجتمع السعودي وجدله وقضاياه مرصودة جيداً من قبل الأجهزة الإسرائيلية والباحثين فيها، ومن هؤلاء المتابعين للشأن السعودي بحرص شديد الكاتب روعي كياس محرر الشؤون العربية وعضو سابق في الوحدة 8200 الاستخبارية الإسرائيلية، وفاز العام الماضي بجائزة أفضل صحفي إسرائيلي يعالج موضوعات الشرق الأوسط. هذا الصحفي الجاد هو من كتب مقالاً في صحيفته عن جنى الشمري بدأه متسائلاً: " ماذا جنت الطفلة السعودية جنى الشمري غير إنها موهوبة وألقت قصيدة خلال احتفالات اليوم الوطني السعودي ؟ " ومن السؤال يتضح موقف الكاتب من القضية، وهو موقف يحث على التركيز على موهبة الطفلة وأدائها في إلقاء القصيدة وحضورها اللافت على المسرح والابتعاد عن الأشياء الأخرى التي لا تحسب على الحدث أو الموهبة. فهل نستنكر كتابة إسرائيل عن قضايانا المحلية ونرى أنها حملة تشويه متعمدة أم نرى بأن الأمر لا يختلف عن موقفنا حين نكتب عن الشأن الإسرائيلي وهو كثير؟، الأمر يختلف ولا يختلف، فنحن نكتب عن إسرائيل السياسة ولا نكتب عن إسرائيل المجتمع، نكتب بانزعاج شديد وليس برؤية لها دلالة واضحة بالكتابة، أما هم فيكتبون عن المجتمع مثلما يكتبون عن السياسية فتجد القارئ الإسرائيلي يعرف عن المجتمع المصري أكثر ما يعرفه عنه شقيقه المغربي أو الخليجي، فوظيفة الإعلام الإسرائيلي هي بالدرجة الأولى تثقيف المجتمع الإسرائيلي ثقافة تجعله يعرف عدوه جيداً بشكل شامل وغير مجزأ.. لو سألت مواطناً إسرائيلياً مهتماً بالرياضة عن أسماء الأندية العربية لأعطاك إجابات شامله عن مبارياتها ولاعبيها ومدربيها. في العالم العربي الإعلام بكل معطياته الحديثة والقديمة جعل الآخر العدو يكتشفنا كمجتمعات لها قضاياها وتطلعاتها وأوهامها، بدون أن يجعلنا نكتشف الآخر بنفس الطريقة فهل العجز في التقنية أو في المهنية أو الثقافة التي لا ترى في الثقافات الأخرى إلا الدين والسياسة، فالحديث عن صناعة الإعلام لا يعني تقنيات الإعلام ولكن يعني كيف نجعل هذه التقنيات ترسم التحديات والمجتمعات بصورة تقربها للحقيقة والفهم وليس بتقنية وكراهية تنقل مشاهد الجهل بتقنيات حديثة.
مشاركة :