الأمر المؤكد حاليا أن الريال إذا أراد النهوض والانتفاض مجدّدا عليه أن يكنس البيت مليا ويطرد كل الأرواح الشريرة التي تملّكت ساكني البيت الملكي.العرب مراد البرهومي [نُشر في 2018/01/14، العدد: 10869، ص(23)] توج ريال مدريد السنة المنقضية كأبهى ما يكون، فهذا الفريق الملكي حقّ له أن يكون ملكا متربعا على العرش المحلي ثم الأوروبي فالعالمي، لقد نجح في فرض هيمنة كلية على أغلب المسابقات وكان بطلا دون منازع. في الموسم الماضي جدّد الفريق الملكي العهد مع لقب الدوري بعد جفاء دام خمس سنوات، بما أن آخر تتويج بهذا اللقب يعود إلى سنة 2012، وفي الموسم ذاته “تسيّد” الريال المشهد الأوروبي محققا إنجازا قياسيا، بما أنه بات الفريق الأول الذي يحرز لقب دوري أبطال أوروبا في موسمين متتالين، والأكثر أنه عزّز رقمه القياسي في عدد التتويجات بهذه البطولة بعد أن وصل إلى كأسه الثانية عشرة. حصاد سنة 2017 الفريد بالنسبة لـ”الميرنغي” تواصل إثر تتويجه في فترة بين الموسمين بكأس السوبر الأوروبي على حساب مانشستر يونايتد، وغنم أيضا كأس السوبر المحلي بعد أن أطاح بغريمه التقليدي برشلونة ذهابا وإيابا، قبل أن ينهي عامه الاستثنائي بالحصول على كأس العالم للأندية، وهي الثالثة في سجله. بيد أن كل شيء بدأ يتغيّر وينقلب إلى الضدّ، فالمسيرة الباهرة التي تحقّقت خلال العام الماضي بدت وكأنها من ذكريات الماضي “السحيق”، فلا الريال بقي ريالا متلألئا، ولا زيدان بقي مدربا استثنائيا، ولا حافظ اللاعبون على توهجّهم البرّاق. الكبوة تلو الأخرى، والعثرة تتبعها عثرات في منافسات الدوري المحلي، والوضعية الحالية توحي بأن هذه القلعة البيضاء التي كانت أسوارها عالية وعتيّة على الغزاة، باتت أشبه ببيت زجاجي ومرتعا لكل “المتطاولين” على كبرياء بيت ملكي مبهر، وليس برشلونة ذلك الغريم التقليدي القوي من تلاعب لوحده بكيان هذا الفريق “الميرنغي”، بل كل الفرق المتربصة أصبحت قادرة على زعزعة المكان والعبث بأركان القلعة البيضاء. والمحصلة الراهنة تشير إلى الريال الذي هيمن الموسم الماضي على منافسات الدوري يوجد حاليا في المركز الرابع، وبفارق 16 نقطة كاملة عن برشلونة المتصدّر، أي عين ضربتك يا ريال؟ وأي مصاب جلل أصابك؟ وأي أسباب قهرتك وجعلتك تتراجع؟ ربما كل من يتابع مباريات الريال يدرك حتما وجود خلل ما دفع الفريق إلى خسارة ذلك التوهّج والقوّة الرهيبة التي ساعدته العام الماضي على التربّع على العرش، هذا الخلل قد يكمن أساسا في عدم الاستفادة من مكاسب العام السابق واستثمارها بالشكل المطلوب، وببساطة “أعمت” النشوة المفرطة بعد النجاح الاستثنائي في عام مميز الجميع، وجعلت الفريق يتراجع القهقرى. في الموسم الماضي كان الفريق متحفّزا ومتحمّسا بشكل مفرط، فالغياب عن منصة التتويج في الدوري المحلي لفترة طويلة بالنسبة لفريق ينافس دوما من أجل الألقاب كانت بمثابة “الوقود” الذي زاد في قوّة الفريق، وساعده ذلك في التغلّب على كل الصعوبات والعراقيل وقهر جميع المنافسين سواء محليا أو أوروبيا. كانت هناك كلمة سر وحيدة تجمع بين كل اللاعبين والجهاز الفني والإدارة على حد سواء، وهي تحقيق الفوز تلو الآخر دون التفكير في ما سيحصل بعد ذلك، فكانت المحصلة رائعة وموفّقة للغاية. هذا الأمر تغيّر كليا في الموسم الحالي، فالحافز غاب وكلمة السر لم يعد لها أي تأثير، فتراجعت النتائج محليا وبدأ اللقب يبتعد، والمعجزة لوحدها قد تمنح الريال شرف الحصول على لقب الدوري المحلي للموسم الثاني على التوالي. لقد تعدّدت التفسيرات والتحاليل بخصوص تراجع نتائج الريال ومستواه، إلى درجة أن البعض بدأ “يشيطن” في بعض سكان “البيت الملكي”، ولم يسلم أحد سواء كان رئيس النادي بيريز أو المدرب زيدان أو اللاعبين. بعض أنصار الريال يعتبرون أن سياسة بيريز هذا الموسم كانت فاشلة، حيث لم ينجح في تقوية الفريق وكانت أغلب الانتدابات مخيبة للآمال، فبيريز الذي فوّت في لاعبين جيدين ساهموا في تحقيق مكاسب الموسم الماضي مثل موراتا وخاميس وبيبي، كانت تحركاته في سوق الانتقالات الصيفية محبطة، هذا الفشل دفع البعض إلى “شيطنة” بيريز واتهامه بكونه سقط في اختبار “الميركاتو”. بالمقابل ذهب البعض الآخر إلى أكثر من ذلك، “فالشيطان” المذنب هذا الموسم كان من وجهة نظرهم المدرب زيدان، واتهامات هؤلاء الموجهة ضد قائد سفينة الريال، مفادها أنه لم يحسن التعامل مع متطلبات الموسم الراهن ولم ينجح في تطوير أساليبه التدريبية، الأمر الذي ساعد بقية الفرق على فهم طريقة لعب الريال والتعامل معه بشكل جيد، زيدان “الشيطان” لدى البعض تمّ اتهامه منذ الموسم الماضي بكونه محبطا لعزائم بعض اللاعبين الجيدين مقابل منح الفرصة للاعبين آخرين مستواهم تراجع بشكل رهيب. وكانت حجة هؤلاء أن زيدان تجاهل سابقا موراتا وخاميس، واليوم يتجاهل أسونسيو مقابل منح مواطنه بن زيمة “كارت بلانش” في كل المباريات، رغم أن أداء الأخير يدعو إلى الحيرة والقلق. بعد زيدان جاء الدور على اللاعبين، حيث يعتقد البعض أنهم يتحمّلون المسؤولية الكبرى في تراجع الفريق، والسبب في ذلك أن هؤلاء اللاعبين عانق مستواهم خلال الموسم الماضي الروعة قبل أن “يضربهم” الغرور والتقاعس حاليا، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أدائهم بشكل كبير، والحديث هنا يخص أساسا بن زيمة الذي “تفنّن” من وجهة نظر منتقديه في القضاء على أحلام البيت الملكي بعد إضاعته في أغلب المباريات التي شارك فيها أهدافا عديدة للغاية. ربما وجد “الشيطان” مدخلا لولوج بيت الملك، وربما كان يسكنه منذ فترة، إلاّ أنه كشّر عن أنيابه هذا الموسم، والأمر المؤكد حاليا أن الريال إذا أراد النهوض والانتفاض مجدّدا عليه أن يكنس البيت مليا ويطرد كل “الأرواح” الشريرة التي تملّكت ساكني البيت الملكي. كاتب صحافي تونسيمراد البرهومي
مشاركة :