قد تنزلق تركيا إلى حال حرب نتيجة سياسات أميركا «الكردية» في شمال سورية. ولا أزعم أن سياسات تركيا المحلية وسياساتها الإقليمية إزاء الأكراد منزهة، ولا يجوز الطعن فيها. وقد يقول قائل أن شوائب السياسة الخارجية التركية هي وراء تدهور علاقاتها بالعالم الغربي، وأميركا على وجه الخصوص. لكن هذا قول غير منصف. وليس في محله إلقاء اللائمة كلها على الحكومة التركية وسياساتها لتفسير ما يحصل. فنهاية ما يسمى بعملية السلام (مع الأكراد) لم تطح فرص تركيا كلها في حل ديموقراطي للمسائل الكردية في الداخل التركي فحسب، بل حالت دون علاقات أفضل مع الأكراد في شمال سورية. ويبدو أن الأكراد شأن الأميركيين يرفضون إدراك أن كل دولة سيدة لا يسعها أن تقف موقف المتفرج حين وقوع تغيرات كبيرة على طول حدودها، وألا تشعر بأنها مهددة. والحلم ببروز دولة كردية مستقلة على الحدود السورية هو كابوس في عين قادة تركيا وسياسييها كلهم وأحزاب المعارضة الرئيسية. ولا يُنظر إلى هذه المسألة على أنها خطر خارجي فحسب. فهي، كذلك، مسألة داخلية. ويزعزع بروز إدارة كردية ذاتية في شمال سورية استقرار مناطق يسكنها الأكراد في تركيا. وساهم سوء تقدير قلق تركيا في المواجهة الأخيرة بين الأكراد من جهة، والأميركيين، من جهة أخرى. ولا شك في أن الحكومة التركية أجهضت عملية السلام. لكن الأكراد لم يمتنعوا من عسكرة النزاع، إثر انتخابات حزيران (يونيو) 2015. وحماسة الحزب الكردي التركية مفهومة لمكاسب الأكراد شمال سورية، وهو أمل بانفتاح الحكومة التركية على الأكراد. لكن الأمور تفاقمت حين تصدرت الحسابات السياسية الإقليمية الكردية أولويات أكراد تركيا. ويؤخذ على الحكومة التركية أنها لم تنتهج مقاربة مسالمة مع أكراد سورية، لكننا لا نعيش في عالم الأحلام. فإسبانيا، على سبيل المثل، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، رفضت استفتاء كاتالونيا واحتمال استقلالها، ولم يسعها التكيف معه أو الصدوع بمترتباته. ولقيت حكومة إسبانيا تفهماً أوروبياً وأميركياً لموقفها. والمعايير المزدوجة تعزز شكوك الرأي العام التركي والحكومة في القوى الغربية. وهذه حلقة مفرغة. فالشكوك هذه تنفخ في المشاعر القومية التي تسبغ مشروعية على سياسات غير ديموقراطية. وينفخ تعاظمُ المشاعر القومية في تركيا والإجراءات غير الديموقراطية في حق سياسيين أكراد، الشعورَ بالاغتراب عن الدولة التركية في نفوس أكراد تركيا، ويحملهم على الابتعاد من السياسات الديموقراطية. ويثير الدعم الأميركي السياسي والعسكري لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية غضب المسؤولين الأتراك. وعلى رغم أن مواقفهم الشاجبة ترحب بها غالبية الأتراك، إلّا أنها لا تخدم مصالح السياسة التركية. وحري بالأتراك والحكومة التركية والسياسيين الأكراد أن يدركوا أن سياسة القوة والنفوذ ستطيح أي أمل في مستقبل يعمه السلام. * كاتبة، عن «حرييت دايلي نيوز» التركية، 15/1/2018، إعداد منال نحاس
مشاركة :