انهارت اسعار النفط فى عام 2008م بسبب الازمة الاقتصادية التى هزت العالم وانخفض سعر نفط برنت من 140 دولارا للبرميل الى اقل من 40 دولارا. ولكنه عاد وسجل فى 2009م معدل 61 دولارا للبرميل وفى عام 2010م 80 دولارا ثم قفز فى عام 2011م و2012م ليسجل حوالى 110 دولارات للبرميل وهذا يدل على ان الاتجاه العام لاسعار النفط تصاعدي وهذه حتمية مرتبطة بالحاجة الى الطاقة وبحقيقة نضوب النفط. ولقد ساهم هذا الارتفاع فى اسعار النفط فى نهضة صناعة الزيت الصخرى فى امريكا وقامت شركات النفط الكبرى مثل اكسون وشيفرون وشل بالاستحواذ على الكثير من شركات انتاج الزيت الصخرى والاستثمار فى حقول الزيت الصخرى مما ادى الى ارتفاعات غير مسبوقة فى انتاج الزيت والغاز الصخرى. ولقد توقعت اوبك فى تقريرها الاخير لشهر اكتوبر الحالى أن يصل معدل الانتاج الامريكى من الزيت فى الربع الاخير من هذا العام الى حوالى 13 مليون برميل مرتفعاً بحوالى 1.8 مليون برميل باليوم عن معدل الانتاج فى العام 2013م. وسوف يستمر الانتاج بالارتفاع حتى فى عام 2015م الى حوالى 13.5 مليون برميل باليوم. وبالعودة الى التاريخ نجد ان الانتاج الامريكى من النفط وصل فى عام 2009م الى حوالى 8 ملايين برميل باليوم. وهذا يدل ان الولايات المتحدة اضافت لانتاجها فى خمس سنوات حوالى خمسة ملايين برميل من النفط كما استطاعت كندا ان تضيف مليون برميل باليوم من النفط لانتاجها وبذلك اصبح اجمالى الزيادة فى الانتاج من كندا وامريكا 6 ملايين برميل باليوم. ولكن يجب ان نعرف ان رفع الانتاج هذا كلف هاتين الدولتين وخاصة امريكا مئات البلايين من الدولارات استثمرت فى هذه الصناعة التى اوجدت الالاف من فرص العمل ولذلك فان اى ضرر يلحق بها سيؤثر كثيراً على الاقتصاد الامريكى. اغلقت اسعار النفط الحالية على انخفاض ملحوظ فسجل خام برنت 90 دولارا وهو الاقل منذ 29 شهرا وسجل الخام الامريكى 85 دولارا وهو الاقل منذ حوالى السنتين. وتعد الولايات المتحدة اكبر مستهلك للنفط فى العالم وحالياً تعتبر اكبر منتج له بحسب بيانات الاوبك. ولكن تبقى المعضلة ان حوالى 4-3 مليون برميل باليوم هى قيمة ما تنتجه امريكا من الزيت الصخرى الذى يتصف بارتفاع كلفة انتاجه. وبحسب تقرير نشر مؤخرا من قبل مجموعة غولدمان ساكس الاستثمارية فان كلفة انتاج الزيت الصخرى الامريكى تتراوح بين 80-85 دولارا للبرميل. والسعر الحالى للنفط الامريكى عند 85 دولارا للبرميل يجعل كثيراً من مشاريع انتاج الزيت الصخرى والاستثمار فيه غير مجد اقتصادياً. وهذا دفع المحللين الاقتصاديين لأن يتوقعوا ان تتعرض صناعة الزيت الصخرى فى الولايات المتحدة لبعض التحديات والضغوط التى من شأنها ان تبطئ النمو فى انتاج هذا النوع من النفط. ولا شك ان حقول باكن الصخرية فى داكوتا الشمالية ستكون اول من يتأثر بانخفاض اسعار النفط لارتفاع كلفة انتاجها. ولكن تستطيع حقول تكساس الصخرية مثل ايجل فورد وبريمين ان تقاوم انخفاض اسعار النفط وحتى وصولها الى 60 دولارا للبرميل. ينمو الطلب العالمى على النفط سنوياً بحوالى 1.2 مليون برميل باليوم وفى المقابل لا يوجد نمو بالانتاج بشكل جاد الا فى الولايات المتحدة وكندا (نفوط غير تقليدية مرتفعة التكلفة) ودول الاوبك. ولقد ارتفع معدل انتاج امريكا وكندا ما بين 2013م و2014م بحوالى 1.6 مليون برميل باليوم. وهذا يعنى ان الزيادة فى انتاجهما اعلى من النمو فى الطلب العالمى. وهذا يؤثر سلباً على حاجة الولايات المتحدة لاستيراد النفط من الاسواق العالمية مما يزيد بالمعروض ويؤثر سلباً على الاسعار. وقد يقول قائل ان الولايات المتحدة لا تسمح بتصدير نفطها: هذا صحيح ولكنها تصدر المشتقات النفطية وهذا ايضاً يوثر سلباً على نمو الطلب العالمي على النفط. باختصار بدأت تظهر اثار النفط غير التقليدي مع تنامي انتاجه وعدم حاجة امريكا لاستيراد كميات كبيرة من نفوط الاوبك. أما دول الاوبك فسيكون امامها خيارات صعبة فى اجتماعها القادم فى شهر نوفمبر. فمعظم دولها تريد ان ترفع انتاجها لحاجتها الى الانفاق الداخلى على المشاريع الحكومية. وبحسب تقرير اوبك الاخير فان المنظمة انتجت فى شهر سبتمبر ما معدله 30.5 مليون برميل باليوم بزيادة تقدر بحوالى 400 الف برميل باليوم عن شهر اغسطس. وجاءت هذه الزيادة من كل من ليبيا بحوالى 250 الف برميل باليوم ومن العراق بحوالى 150 الف برميل باليوم. ولقد وصل معدل انتاج ليبيا فى شهر سبتمبر الماضى الى 800 الف برميل مقابل 1.4 مليون برميل باليوم كان معدل انتاجها فى عام 2012م. وهذا يعنى انها تستطيع ان ترفع انتاجها بحوالى 600 الف برميل مما يعنى زيادة فى المعروض لاسواق هى اصلاً متخمة. الحالة الليبية جعلت الكثير يتوقع هبوط معدل سعر برنت الى 93 دولارا للبرميل فى هذا العام بعدما كانت اغلب التوقعات تدور حول 105-110 دولارات للبرميل. ويأمل العراق كذلك ان يرفع انتاجه الى حوالى 4 ملايين برميل باليوم فى المستقبل القريب وهذا يعنى اضافة مليون برميل يومي الى الاسواق. وفى نفس الوقت بدأت تظهر بيانات ودلائل على تباطؤ نمو الاقتصاد الاوروبى مما يعنى انخفاض الطلب على النفط. كل هذا جعل بنك باركليز يخفض توقعاته لمعدل اسعار نفط برنت فى عام 2015م الى 96 دولارا بعد ان كانت 107 دولارات. وسيؤدى تراجع اسعار النفط بلا شك الى تأثر جميع الدول المصدرة ولكن تبقى روسيا وايران من اكبر المصدرين للنفط بالعالم وبكل تأكيد فان اسعار النفط المنخفضة سوف تضعف موقفهما التفاوضى فى ملف ايران النووى والملف الاوكرانى. وسيبقى القول الفصل فى تماسك الاسعار او هبوطها اكثر بيد دول الاوبك. اذا رفعت اوبك انتاجها ستنخفض الاسعار ربما الى اقل من مستوى 80 دولارا وبذلك ستعلن كثير من شركات الزيت الصخرى الامريكية افلاسها وستقبل امريكا مرغمة على شراء نفط اوبك مرة اخرى. اما اذا خفضت اوبك انتاجها الى 29.5 مليون برميل باليوم فهذا قد يعزز الاسعار ولكن هذا الخفض يبدو بعيد المنال فى ظل الحاجة الماسة لدولها للمال والتطلع الليبى والعراقى والايرانى لزيادة الانتاج. ولكن عدم الاستقرار الذى تشهده دول رئيسة فى انتاج النفط واحتمالية فرض مزيد من العقوبات على دول مصدرة للنفط قد يجعل اسعار النفط متماسكة عند 95 دولارا.
مشاركة :