كتاب أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد يعد من أبرز الآثار القيمة التي ألفت في القرن السادس الهجري عن أحد شيوخ الصوفية الكبار.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2018/01/20، العدد: 10875، ص(13)]أقدم وأوسع المصادر الصوفية أكدت إسعاد عبدالهادي قنديل أن كتاب “أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد” لمحمد بن المنور بن أبي سعيد، الذي ترجمته مؤخرا، واحد من الآثار القيمة التي ألفت في القرن السادس الهجري، وهو كما يستفاد من اسمه في شرح أحوال ومقامات وأقوال الصوفي الشهير الشيخ أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وأول كتاب مفصل ألف باللغة الفارسية في شرح حال واحد من شيوخ الصوفية الكبار، وأقدم وأوسع المصادر الصوفية، فهو يعتبر أول أثر بالفارسية لمؤلف قائم بذاته موضوعه حياة أحد الصوفية، وقد أعطيت فيه لأبي سعيد وسط دائرة الصوفية والدراويش الذين عاش معهم في تفاصيل واسعة، وهو من هذه الناحية يعتبر من أوضح الكتب التي صورت لنا حياة الدراويش في القرن الخامس الهجري. وعن أبي سعيد قالت المترجمة إنه أبوسعيد فضل الله بن أبي الخير محمد بن أحمد الميهني شاعر فارسي وشيخ من شيوخ الصوفية عاش في إيران في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والنصف الأول من القرن الخامس، وأشارت إلى أن لقاء أبي سعيد في سرخس ذات يوم بدرويش مجذوب يدعى لقمان، كان وراء لقائه بأبي الفضل حسن من شيوخ الصوفية في هذه المدينة، وكان اللقاء بين أبي سعيد وأبي الفضل، وهنا جرى التحول في حياته إذ ترك بعد هذا اللقاء دراسة علوم الدين واعتنق الصوفية، واتخذ أبا الفضل مرشدا له. وأضافت “أمره أبوالفضل بالعودة إلى ميهنة والبحث عن مكان يختلي به ويعرض فيه عن نفسه وعن الناس، فرجع أبوسعيد إلى بلده واختار زاوية داره مكانا لاعتكافه، وأمضى بها سبع سنوات قضاها في التأمل. ثم رجع إلى سرخس حيث مارس الرياضة عاما آخر تحت إشراف أبي الفضل، وفي نهاية العام أكد له أبوالفضل أن كل شيء قد انتهى وأمره بالعودة إلى ميهنة ودعوة الناس”. ولفتت قنديل إلى أن أبي سعيد عاد إلى ميهنة ولكنه بدلا من أن يرضى عن نفسه بما أكده شيخه، زاد من رياضاته، وفي هذا الوقت توفي والداه، فاتجه إلى صحراء خاوران، وأمضى بها فترة أخرى من الرياضة امتدت لسبع سنوات قضاها متجولا فيها، ولم يكن يرى خلال هذه الفترة إلا نادرا ويظن أنه كان يقتات بنباتات الصحراء، ويبدو أن السير الطويل في الطريق قاده في النهاية إلى الكشف الكامل، فبدأ ممارسة الإشراف على تربية المريدين في ميهنة، وكانت الخطوة الأولى هي أن حول منزله إلى خانقاه للدراويش، فتجمع حوله المريدون وذاعت شهرته في المناطق المجاورة. ثم رأى أن ينقل نشاطه إلى ميدان أوسع، فانتقل إلى نيسابور، وأخذ يعقد المجالس بها ويقوم بوعظ الناس وإرشادهم. وأكدت المترجمة أن أبا سعيد لم يكن يقتصر في مجالسه على تفسير القرآن والأحاديث، بل كان يتعدى ذلك إلى قول الشعر وإقامة حلقات الرقص والسماع، الأمر الذي أثار عليه أئمة نيسابور ورؤساء الفرق الدينية، فشكوه إلى السلطان في غزنة، ورد السلطان على هذه الشكوى بأن يعقدوا مجلسا من أئمة المذهبين الشافعي والحنفي وأن يطبقوا عليه ما تقتضيه الشريعة، غير أن أبا سعيد استطاع أن يواجه أعداءه وأن يجبرهم على عدم التعرض له. وحول مذهب أبي سعيد، رأت قنديل أنه كان من أوائل المروجين لوحدة الوجود، ورغم أن مذهبه الذي يقوم على الفناء ووحدة الوجود لم يكن جديدا، فقد سبقه إليه الصوفي الفارسي بايزيد البسطامي ومعاصره أبوالحسن الخرقاني إلا أن عبقريته شكلته في صورة جديدة، فأسلوبه يتمتع بالبساطة والبعد عن التكلف في اللفظ مما يدل على حسن ذوق المؤلف ومهارته الكاملة في فنون الأدب. الكتاب جاء في ثلاثة أبواب؛ الأول يشتمل على بعض أحوال الشيخ أبي سعيد في طفولته وشبابه، وأنواع العلوم التي حصل عليها، والرياضات التي قام بها، وذكر أساتذته وشيوخه، وتاريخ حياته حتى بلوغه سن الأربعين. والباب الثاني ضم ثلاثة فصول جاء جلها عن حكايات الشيخ وكراماته وبلغ عددها مئة وعشر حكايات وقد تضمن بعضها ما نقله الشيخ عن المشايخ من حكايات وأقوال، كما ضم الباب بعض رسائل الشيخ وأشعاره التي جرت على لسانه بالقدر الذي تحقق للمؤلف صدقه. أما الباب الثالث فقد جاء أيضا في ثلاثة فصول وحمل وصايا الشيخ ووفاته وظروفها.
مشاركة :