أربع سنوات كاملة مرت على رحيل د. عبد الله عمران تريم، لم يغب فيها عن الأذهان، والعقول، والقلوب، بعدما باغت الجميع ذهابه الأبدي عام 2014، ورغم الرحيل لم يغب الراحل عن أفئدة جميع من أحبوه على كثرتهم، وإنما كثف حضوره الباقي أبداً في الوجدان، وإن كان الحنين يزداد إلى خطواته في جوانب المكان، وكلماته المحفورة في الذاكرة، وابتسامته التي لم تكن تفارق ثغره.كانت للراحل بصمة مميزة، ورؤية حكيمة، ووجهة نظر محترمة، لم يقف يوماً عند حدوده الشخصية ليبارز بها الأدنى منه مكانة وفكراً، كان إنساناً بما تحمله الكلمة من معنى، يقف إلى جانب الضعيف فيقوّي عزيمته، ويشحذ همة من يشعر منه يأساً، أو إحباطاً، ويساند من تعوزه الحاجة، ويدعم من يلمح فيه نبوغاً، وإجادة، وكان صديقاً صدوقاً لجميع من حوله، ولأبناء دار الخليج، التي شيد لبناتها مع شقيقه الراحل تريم عمران، وقوى دعائمها، وعزز بنيانها، وكرس أهميتها في منطقة الخليج ككل، وعلى مستوى دول العالمين العربي والخارجي، فيما رسم خريطة مسار إعلامية لمن أرادوا الانتماء إلى بلاط صاحبة الجلالة، وكان من الخير في احتوائهم واحتضانهم جميعاً، على اختلاف مرجعياتهم، وجنسياتهم، وقناعاتهم.المولد والنشأةوكان لنشأة الراحل الكبير دور في تشكيل شخصيته القومية، وبلورة فكره العروبي، وفي ذلك نعود للبداية: ولد في إمارة الشارقة عام 1948، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس الشارقة والكويت، وأكمل تعليمه الجامعي في مصر حيث حصل على الليسانس في التاريخ من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1966، وحصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة إكستر بالمملكة المتحدة عام 1986. وعمل الراحل قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة مدرساً في ثانوية العروبة بمدينة الشارقة لمدة عامين، ثم مديراً لإدارة معارف الشارقة خلال الفترة 1968-1971، وأثناء ذلك كان مع أخيه الراحل تريم عمران تريم من الرواد الأوائل الذين أسهموا إلى جانب الكثير من رجالات الوطن الأوفياء في إقامة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، ورواد تأسيس الصحافة الخليجية، حيث أسسا جريدة «الخليج» عام 1970، ولعبا دوراً كبيراً في مكافحة الاحتلال الإنجليزي وضد نفوذ شاه إيران في ذلك الوقت، حيث كانا ينتميان إلى التيار القومي، وكان الراحلان د. عبد الله عمران تريم مع شقيقه تريم عمران تريم، عضوين في فريق المفاوضات التساعية والسباعية لإقامة دولة الاتحاد.وفي عام 1970 قام الراحلان تريم عمران ود. عبد الله عمران، بتأسيس أول مشروع إعلامي خاص في الدولة تمثل في إصدار جريدة «الخليج»، ذلك المنبر الحر، وجاءت الانطلاقة الكبرى عقب عودتهما من القاهرة عام 1968، إذ كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت قيام الاتحاد، حيث فكّرا في العمل الصحفي، وعن ذلك قال تريم عمران: كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمة، وصعوبات ستواجهها الإمارات، ولم يكن هناك كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، بينما شاه إيران لديه مطامع أعلن عنها، فكانت الدعوة إلى إقامة كيان قادر على مواجهة التحديات، والعمل على تحقيق وحدة المنطقة، كانت الأخطار كبيرة، والعمل المنظم شبه معدوم في منطقة تزداد أهميتها الاستراتيجية، بعد تدفق النفط في أراضيها.الخليج الموحدوولدت جريدة «الخليج» قوية، جريئة الطرح، حرة الرأي، تبنت الحديث عن عروبة الخليج، والجزر الإماراتية، من خلال عنوان رئيسي تكرر أكثر من مرة فيها، يحمل لاءات «لا تفريط في الجزر، لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل»، وتسبب ذلك في إزعاج شاه إيران حينذاك بشكل كبير، فسعى إلى إغراء أصحاب الجريدة بالمال، لعلمه بما يواجهونه، بسبب الكلفة الكبيرة التي تقع عليهم جراء إصدار الجريدة في الكويت، وشحنها بالطائرة يومياً إلى الشارقة، لكنهم بإباء كبير رفضوا، وأصروا على استقلاليتها، مما أزعج بشدة المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة آنذاك، إثر جرأة الخطاب القومي للجريدة، فطالب بإغلاقها، لإفسادها الجهود التي تبذلها بريطانيا في حل مشكلة الجزر، بعدما شعر كذلك بأنها صدرت من أجل الخليج الموحد، فرد أصحاب الجريدة بأن بريطانيا احتلت المنطقة نحو 150 عاماً، وجعلتها في طي النسيان، لا تعليم، ولا صحة، ولا أي خدمات، عدا مناطق متناثرة، يغمرها الفقر والتخلف، فيما وعندما قررت بريطانيا الانسحاب تطلب أيضاً من أهلها السكوت عن جريمة ترتكبها من خلال تسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران.تطور مهنيوتوالت الحروب المهنية والسياسية العديدة التي شهدتها «الخليج»، من بعض أصحاب الصحف في الكويت، الذين خشوا من هذا الوافد الصحفي الشرس، الذي وضع رحاله بجرأة، فطالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصدارها، واستمر الأمر هكذا، إلى أن توقفت الخليج، والشروق عن الصدور بعد عام ونصف العام على صدورهما بسبب التكلفة المادية الكبيرة لإصدارهما من دولة الكويت، وبسبب إصرار الدكتور عبد الله عمران وشقيقه تريم عمران على تجنب تمويلهما من جهات مشكوك فيها، وتحيطها الشبهات، فيما جاء التوقف والدولة تشهد بداية محورية في تاريخها، ألا وهي بداية الاتحاد، الهدف، والمعنى، والقوة، بموجبها اختار المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عبدالله عمران لتولي وزارة التربية، وبعدها وزارة العدل، في حين أصبح شقيقه تريم عمران أول سفير للدولة في مصر، وأول مندوب لها في جامعة الدول العربية حتى عام 1976 كما تولى رئاسة المجلس الوطني الاتحادي ولم يستمر الوضع طويلاً، فسطوة العمل الصحفي كانت متسيّدة عقليهما ووجدانيهما، فكان أن عادت الخليج إلى الصدور في إبريل/ نيسان عام 1980.
مشاركة :