استكمالاً للحديث عن قائمة أبرز عشرة شعراء شعبيين في حلقة برنامج (أهم 10)، أُكرر القول إن محاولة إيجاد قائمة لترتيب الشعراء بحسب الأفضلية أو الشهرة أو التأثير محاولة محفوفة بالمصاعب، وقلما تجد قبولاً من الناس، حتى لو اعتمد واضعها على مقاييس نقدية واضحة ومُعلنة، إذ يصعب أولاً تطبيق مقاييس المفاضلة بين الشعراء بدقة وموضوعية، وثانيًا لاستحالة تحييد مسألة الذائقة الخاصة التي تفرض نفسها بقوة في عملية تقويم مستوى الأعمال الأدبية والفنية. ولإدراك مدى صعوبة الإقناع بمثل هذه القوائم يُمكن على سبيل المثال الاطلاع على واحدة من أقدم المحاولات وأشهرها، في ترتيب الشعراء ترتيبًا تفاضليًا، وهي محاولة محمد بن سلام الجمحي (ت 231ه) في كتابه الشهير (طبقات فحول الشعراء)، فقد وجدت هذه المحاولة كثيراً من النقد بالرغم من ريادتها وسعي صاحبها ابن سلام في تعزيز المقاييس النقدية - التي رتب الشعراء بحسبها إلى طبقات تضم كل طبقة عددًا معينًا من الشعراء - بآراء علماء وشعراء عصره وأحكامهم النقدية. وأوجه النقد التي تعرّضت لها محاولته الرائدة والرائعة متعددة استعرض الدكتور عبدالله بن عبدالكريم العبادي بعضها في رسالته (المقاييس النقدية في كتاب طبقات فحول الشعراء)، من أبرزها نقد طريقته الطبقية في المفاضلة بين الشعراء، على الرغم من تميزها إذا ما قورنت بالطريقة التي اعتمدها برنامج (أهم 10)، إذ إنّ التزامه عدد أربعة شعراء في كل طبقة أجبره على ظلم بعض الشعراء وتأخيرهم لطبقة مُتأخرة مع اعترافه باستحقاقهم للدخول في طبقة مُتقدمة. كذلك اعترض عدد من النقاد على ترتيب ابن سلام لبعض الشعراء داخل الطبقة الواحدة ورأوا أنه لم يقم بمراعاة المقاييس التي اعتمدها مع جميع الشعراء، وفي رسالة العبادي مناقشة لمآخذ نقاد كبار كمحمد مندور، وإحسان عباس، وبنت الشاطئ، على منهج ابن سلام وتطبيقه، وقد أبدى العبادي استغرابه من إنكار الدكتور محمد زغلول سلام أن يكون "تقسيم ابن سلام خاضعًا لمقاييس نقدية علمية أو فنية أو اعتبارات موضوعية"، مع أنه اعتمد في تقديم الشاعر وتأخيره على مقاييس نقدية بعضها شديد الوضوح، وتحدث عنها العبادي بتفصيل وهي: (الجودة، والكثرة، وتعدد الأغراض، والفن الأدبي، والمقياس الخُلقي، ومقياس اللين) وغيرها. إذن مهما اجتهد الناقد أو من يرغب في المفاضلة بين الشعراء في وضع المقاييس النقدية وحاول تطبيقها بدقة وموضوعية سيقع في بعض الأخطاء وسيتعرض عمله للنقد والهجوم، فعملية الموازنة بين شاعرين لهما مستوى مُتقارب عملية مُرهقة وقد لا تعطي نتيجة مقنعة، فما بالك بالموازنة بين عشرات أو مئات الشعراء، لذلك علينا ألا نتعامل معها بحساسية مفرطة لأنها غير مُلزمة لأحد، ولأنه لا يمكن أن يترتب عليها في الواقع رفع شاعر لمرتبة أعلى من مرتبة شاعر آخر يتفوق عليه في الإبداع والتأثير. أخيرًا يقول محمد بن مصوّي: الفاتن اللي بالغلا مستجدّه في مهجتي دايم وهي بالغلا غير ذكرتها من باب عشق ومودّه ونسيتها من باب حشمه وتقدير
مشاركة :