الأخبار ليست في حاجة لمن يحررها بقلم: طاهر علوان

  • 2/13/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

المحرر الغائب أو المغيّب عن المشهد هو شاهد آخر على تطورات العصر الرقمي وعلاقته بمستقبل الصحافة وهي تشاهد هذا العصف الذي يضرب أهم أركان المهنة وهم صانعو الأخبار والمحررون المهرة.العرب طاهر علوان [نُشر في 2018/02/13، العدد: 10899، ص(18)] صانعو الخبر منهمكون في ذلك التدفّق اليومي للأخبار وهم يسوّقون بضاعتهم لجمهور أدمن تلك البضاعة . الطرفان في المعادلة صارت نظرتهما وطريقة تعاملهما مع الخبر تتغيران يوما بعد يوم. لم يعد للخبر مغزى واحدا وصار يُقرأ من زوايا متعددة وصار اللعب بالكلمات مهنة صانعي الخبر ولعبتهم المفضلة. لا يتوقف عند هذا الحد بل يتعدى ذلك إلى متغيرات صارت تشهدها مهنة الصحافة ومستقبل الصحافة نفسها. هذه عناوين وردت مرات عدة في أوراق المؤتمر السنوي الذي أقامته جامعة كارديف بالمملكة المتحدة بخصوص مستقبل الصحافة في عالم متغير. واقعيا إن الجدل والنقاش لا ينتهيان بخصوص هذه الإشكاليات المتجددة والمتعلقة بمستقبل الصحافة وصناعة الخبر لا سيما أن الأمر ليس مقتصرا على مواقف ووجهات نظر الباحثين والمتخصصين في الصحافة ودراسات وسائل الاتصال بل يتسع إلى الجمهور العريض المستهدف. وعلى هذا صارت كل الفرضيات التي يطرحها المتخصصون سواء في هذا المؤتمر أو في غيره تصطدم بإشكالية تلقّي الخبر والشكل الذي ينبغي أن يكون عليه. يعرض الباحث ن. نيومان في ورقة بحثية أحد الاستنتاجات المهمة التي ينبغي التوقف عندها بخصوص صناعة الخبر ومساحة عمل محرري الأخبار. ومن الخلاصات المهمة التي يناقشها أن الغالبية من متلقيي الخبر ممن هم دون سن الخامسة والثلاثين قد تفاعلوا مع أخبار تدخّل فيها المحررون بأقل قدر ممكن ومنها أيضا الأخبار التي تنتظم في لوغاريتمات النظام الرقمي. هذه الإحصائية الملفتة للنظر توصلنا إلى استنتاج بعيد، خلاصته انتفاء الحاجة لمحرري غرفة الأخبار وما على الأنظمة الرقمية سوى التقاط الموجز الخبري وبثه بحسب التوقيتات والأماكن التي يفترض أن تظهر فيها أمام أنظار القراء والمتلقين. يتحدث الباحث نيومان عن ظاهرة انحسار الوظيفة البشرية في صناعة الخبر ودلّ على ذلك الإتيان بإحصائيات تتعلق بتقليص وظائف محرري الأخبار، فما يأتي مصفوف رقميا يغني كثيرا عن صانعي الخبر. سنصل أيضا وسط هذا السجال إلى استنتاج مفاده أن الأخبار المتدفقة على الجمهور العريض لم تعد في حاجة لمن يمحّص فيها أيّها جاءت هكذا في النظام الرقمي وأيّها صاغها المحررون. ربما سترتبط المسألة برمتها بجمهور متعجّل لم يعد يعنيه كيف صيغ الخبر ومن شقي في تعميقه وإضفاء جودة مطلوبة عليه وبين خبر أشبه بتغريدة رقمية عابرة. لعل الأمر سيعود بنا مجددا إلى مستقبل الصحافة في هذا الواقع المتغير وتاليا دور المنابر الإخبارية التي تعيش هذا الواقع الرقمي فيما محرروها يقدمون خلاصة خبراتهم في صناعة الأخبار ومستوى جودتها. في المقابل أتاحت هذه السيولة والتدفق الإخباري الذي تنعشه لوغاريتمات تدخلت في جوهر العمل الصحافي انتشار الأخبار المزيفة والمحرّفة وحتى الكاذبة والمغلوطة التي من أهم أهدافها حرف وجهات نظر الرأي العام في قضايا محددة وتشكيل وجهات نظر ومواقف جديدة. هذه الظاهرة المستجدة والمتزامنة مع غياب المحرر وصانع الخبر صارت عبئا جديدا ومن الصعب التخلص منه في ظل قوة وانتشار منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح لوغاريتماتها مساحة عريضة لذلك التدفق الحر للأخبار بغثّها وسمينها. منصات التواصل الاجتماعي هي واحدة من أطراف الاستغناء عن محرري الأخبار وصانعيها، هناك يجري تنميط جمهور اعتاد على ما يقدم له على أنه حقيقة أيا كانت ويصرف النظر عن التحقق والبحث في المصداقية بسبب تسارع إيقاع الحياة. المحرر الغائب أو المغيّب عن المشهد هو شاهد آخر على تطورات العصر الرقمي وعلاقته بمستقبل الصحافة وهي تشاهد هذا العصف الذي يضرب أهم أركان المهنة وهم صانعو الأخبار والمحررون المهرة. كاتب عراقيطاهر علوان

مشاركة :