لا يسع المتابع للأزمة السورية، التي تحولت من قضية محلية إلى إقليمية، ثم إلى دولية، سوى الإقرار بتزايد القلق من تحول الاقتتال الداخلي إلى حرب إقليمية، وربما إلى أخطر من ذلك، بعد أن عجز المجتمع الدولي عن احتوائها على مدى السنوات السبع المنصرمة، منذ اندلاع الثورة السورية. فهناك حضور ميداني كثيف لقوات عسكرية من مختلف الصنوف ومختلف الهويات، تقوم بتنفيذ مهام مختلفة، وسط توافقات حساسة بين البعض منها لاستبعاد التصادم في أجواء متشنجة، لا يسمع فيها سوى قعقعة السلاح. هذه الأزمة تتجه نحو المزيد من التصعيد، مع احتمال دخول إسرائيل فيها، فللمرة الأولى، تسفر عشرات الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على مواقع سورية على مدى السنوات السابقة، عن حدث غير عادي، إذ أسقطت طائرة إسرائيلية، وأصيبت أخرى من قبل الدفاعات الجوية السورية، في تطور نوعي غير مسبوق في الأزمة السورية. الحدث فجرته طهران، بإرسالها طائرة درون، تسللت إلى سماء إسرائيل، التي سرعان ما أسقطتها، لترسل في ضوء ذلك ست من مقاتلاتها لقصف قاعدة تيفور، التي تستخدمها قوات الحرس الثوري الإيراني، والتي انطلقت منها الدرون، حيث أسقطت الطائرة الإسرائيلية. ويرجح خبراء عسكريون، أن العملية قد خطط لها بعناية، ولم تكن الدرون سوى طعم لاستدراج المقاتلات الإسرائيلية، وهي أول مواجهة علنية بين إيران وإسرائيل. إسقاط الطائرة الإسرائيلية الأول منذ ثلاثين سنة، دفع تل أبيب لشن أعنف غارة جوية على سوريا منذ عام 1982، استهدف فيها اثني عشر موقعاً عسكرياً، منها أربعة مواقع إيرانية، وطالت الهجمات، الدفاعات الجوية السورية قرب العاصمة دمشق. إسرائيل تحشد قوات برية في الجولان، وتتهيأ للقيام بالمزيد من العمليات ضد المواقع الإيرانية، وقد مهدت لذلك برسائل شديدة اللهجة، وجهتها لإيران عبر قنوات أوروبية متعددة، محذرة إياها من بناء مصانع للسلاح في لبنان، وإنشاء قواعد عسكرية في سوريا. من جانب آخر، تراقب إسرائيل ردود الفعل الروسية على استهدافها الدفاعات الجوية السورية، فقد اقتصرت استهدافاتها في السابق على قوافل السلاح الإيراني المرسلة إلى حزب الله. دأبت إسرائيل على القيام بقصف المواقع السورية بين الحين والحين، دون رد في أغلب الحالات، إلا أن اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، شجعها على تكثيف هذه الهجمات، ودفعها للتحول من دور المراقب للحرب، لدور المشارك الفاعل، ليكون لها ما تقوله في مستقبل سوريا، وهو ما يتعلق بأمنها الذي لا تأتمن عليه أحداً، وبضمنهم أقرب حلفائها، الولايات المتحدة. من هذا المنظور، تعمل إسرائيل على تحقيق أمنها القومي، عن طريق تحييد الدور الإيراني، وترى في ذلك شرعية، بالقدر الذي تسوق به تركيا شرعية ما تقوم به في عفرين، تحسباً لأمنها القومي. على مدى سنوات الثورة السورية، اكتفت إسرائيل بدور المراقب القلق لما يجري في جوارها، وهي ترى أن نهايات هذه الحرب قد ترسخ الحضور الإيراني سياسياً وعسكرياً لأمد طويل، فهي لم تنجح في الحصول على تعهد روسي بسحب قوات إيران من سوريا خلال لقاء نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى موسكو، مع الرئيس الروسي بوتين، والتي ناقش فيها «سيناريوهات تصعيدية ممكنة»، حسب تصريحه للصحافيين، وهو ما جعلها أكثر ميلاً لأن تكون لاعباً في هذه الحرب، والإسهام في رسم مآلاتها. إيران، حسب المصادر الإسرائيلية، تعمل على إنشاء معامل لإنتاج الصواريخ، وتوسع من انتشارها في سوريا، وهو ما تعتبره إسرائيل خطاً أحمر، فهي لن تتساهل مع وجود إيراني قرب أراضيها، إذ إن لديها قناعة بأن أمنها يتعرض لمخاطر غير مسبوقة، وهي من هذا المنطلق، ترى أن عليها اتخاذ إجراءات استثنائية لحفظ أمنها القومي. بدأت قبضة موسكو الممسكة بالملف السوري بالتراخي مع زيادة تعقيداته، فبالإضافة إلى تعثر مشروعها السياسي، الذي وظفت له لقاءات أستانة ثم سوتشي، يتجه الوضع الميداني نحو توازنات في غير صالح رؤاها، فدخول القوات التركية في الشمال السوري في عفرين، قد أضعف إلى حد كبير، هيبة نظام الأسد، الذي قدمت موسكو للدفاع عنه، وقيام الولايات المتحدة بتنفيذ ضربة قوية للقوات الحكومية السورية، التي تصدت لحلفائها، قوات سوريا الديمقراطية، رسالة أخرى لموسكو، وها هي إسرائيل تدخل على الخط السوري عسكرياً، لتزيد من الإحراجات التي تواجهها موسكو. * كاتب عراقي
مشاركة :